أما الخطيب القزوينى فقد عرف الإيجاز بقوله :
«تأدية المعنى الكثير فى لفظ قليل» (٨).
هذه التعريفات كلها ، وغيرها كثير ، لم تخرج عما أجملناه من قبل من أن الإيجاز فى الكلام : هو الدلالة على المعانى الكثيرة بألفاظ أقل منها ، بشرط عدم الإخلال فى تأدية المعنى المراد.
والإيجاز ، لما يحمل من دقائق وأسرار ، كثر وروده فى القرآن الكريم ، كثرة مستفيضة ، ولم تخل منه آية ، أو سورة من آيات القرآن الكريم ، حتى فى المواضع التى اصطلح على وسمها بالإطناب أو المساواة تشتمّ فيها رائحة الإيجاز ، لذلك نرى بعض الدارسين المحدثين يذهب إلى أن القرآن كله إيجاز ، يستوى فى ذلك مواضع إطنابه ، ومواضع مساواته ، وأن كل معنى مصور على سبيل القصد ، غير مائل فيه إلى الإسراف (٩).
وهذا نموذج توضيحى لفكرة الإيجاز فى كتاب الله العزيز (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) (١٠) هذه الآيات تحكى مشاهد من قصة يوسف عليهالسلام فى مصر. وقد شاع الإيجاز فى مواطن فيها نكتفى بذكر ما يأتى منها :
* حذف (أرى) فى (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) حيث لم يقل : وأرى سبع سنبلات.
واكتفى بذكر «واو العطف» فيها.
* حذف كلمة سبع فى قوله (وَأُخَرَ يابِساتٍ) حيث لم يقل : وسبع أخر يابسات.
مع ملاحظة حذف الفعل «أرى» مع حذف (سبع).
* حذف المسند إليه (المبتدأ) فى (قالُوا أَضْغاثُ) والتقدير : قالوا هذه الرؤيا أضغاث أحلام ، مع ملاحظة حذف جملة ، الرؤيا مع حذف المسند إليه.
* حذف المتعلق بالفعل (فَأَرْسِلُونِ) والتقدير : أرسلونى إلى يوسف فى السجن وهو فتى عالم بتفسير الأحاديث.
* حذف إذن الملك وأعوانه له بالذهاب إلى يوسف عليهالسلام والتقدير : فأذنوا له وأرسلوه إلى يوسف فى السجن.