فمن الأدلة القرآنية :
١ ـ تلك الآيات التى تدعو إلى التدبر والتذكر ، كقوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) [النساء : ٨٢ ، ومحمد : ٢٤] ، فقد دلت هذه الآية وأمثالها على أن تفسير ما لم يستأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه ليس محظورا على العلماء ، وأهل الفكر والنظر.
٢ ـ تلك الآيات التى تدل على أن فى القرآن ما يستنبطه أولو العلم باجتهادهم ، مثل قوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣].
قال الغزالى : «فأثبت لأهل العلم استنباطا ، ومعلوم أنه وراء السماع». (٧٧)
ومن الأدلة النبوية :
دعاء النبى صلىاللهعليهوسلم لابن عباس بقوله : «اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل». (٧٨)
قال الغزالى معقبا على هذا الدعاء : «فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل ، ومحفوظا مثله ، فما معنى تخصيصه بذلك؟». (٧٩)
ومن آثار السلف :
قول أبى بكر فى الكلالة : «أقول فيها برأيى» (٨٠). وقول مجاهد : «عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات ، من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كل آية منه ، وأسأله عنها». (٨١)
ومن الأدلة العقلية على الجواز :
١ ـ اختلاف الصحابة فى التفسير ، فلو كان التفسير بالرأى ممنوعا عليهم ، ومقصورا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما تجرءوا على التفسير ، ولما حدث بينهم هذا الاختلاف.
٢ ـ لو منع التفسير بالرأى لمنع الاجتهاد فى الدين ، ولو منع الاجتهاد فى الدين لتعطل كثير من الأحكام ، ولوقع الناس فى حرج عظيم ، لكن التالى باطل لقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج :
٧٨] ، فما أدى إليه وهو منع التفسير بالرأى باطل ، خاصة أن الرسول صلىاللهعليهوسلم مات ولم يتعرض لتفسير كل الآيات القرآنية ، ولم يؤثر عنه استنباط لكل الأحكام الفقهية التى يمكن أن تشملها الآية.
الرأى الراجح :
من عرضنا لأدلة المانعين ، وردودنا عليها ، ولأدلة المجيزين ووضوحها ودلالتها على الجواز ، يترجح لدينا جواز التفسير بالرأى ، إذا توافرت فى المفسر الشروط الواجب توافرها فى هذا المجال.