فمن القرآن : تلك الآيات التى تدل على أن فى القرآن ما يستنبطه أولو العلم باجتهادهم ، كقوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣].
قال أبو حامد الغزالى : «فأثبت لأهل العلم استنباطا ، ومعلوم أنه وراء السماع. (٣٤) فلو كان الرسول صلىاللهعليهوسلم قد بين كل معانى القرآن فما ذا بقى لأولى العلم؟».
ومن السنة : دعاء النبى صلىاللهعليهوسلم لابن عباس بقوله : «اللهم فقهه فى الدين ، وعلمه التأويل» (٣٥).
قال أبو حامد الغزالى ـ معلقا على هذا الحديث : «فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل ، ومحفوظا مثله ، فما معنى تخصيصه بذلك؟» (٣٦).
ومن الأدلة العقلية :
١ ـ اختلاف الصحابة فى التفسير ، وتعدد أقوالهم ، فلو كان الرسول صلىاللهعليهوسلم قد فسر القرآن كله لما وجدنا ذلك الاختلاف ، بل لما وجدنا لهم تفسيرا من أصله.
٢ ـ وأيضا : فإنه لو كان للرسول صلىاللهعليهوسلم تفسير كامل للقرآن لنقل إلينا ، كما نقل عنه كل شىء ، يتعلق بالدين والدنيا معا ، مثل ما يتعلق بآداب النوم وقضاء الحاجة وغيرهما.
وليس من حق أحد أن يدعى أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد فسر القرآن كله لفظة لفظة ، ثم فقد كله إلا القليل منه ، أو النادر ، لأن التفسير النبوى الكامل مما تتوافر الدواعى على نقله ، فأين أهمية نقل آداب النوم ، وقضاء الحاجة ، من أهمية نقل تفسير كامل للقرآن ، لو أثر عنه صلىاللهعليهوسلم؟
وليس من حق أحد أيضا أن يدعى أنه أثر عنه صلىاللهعليهوسلم تفسير كامل للقرآن ، لكن الصحابة لم يبلغوه لمن خلفهم ، لأن هذا قادح فى عدالة الصحابة التى ثبتت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ولتنافى ذلك مع كفاحهم فى نشر كتاب الله ـ تعالى ـ وتبيينه للناس.
القدر الذى بيّنه النبىّ صلىاللهعليهوسلم :
من خلال الواقع الذى نقل شفهيا وكتابة ، عن طريق الرواة وكتب السنة والتفسير ، يتضح لنا بجلاء أن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يفسر من القرآن إلا قدرا يسيرا ، لو قيس بما لم يفسره ، وإن كان فى حد ذاته كثيرا.
والسبب فى ذلك : أنه لم يكن فى عصر النبوة من داع لتفسير نبوى كامل للقرآن ، وخاصة إذا علمنا أن هناك من القرآن الكريم ما قد استأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه ، وأن منه ما يعلم معناه من له أدنى دراية بلغة العرب ،