التاسع : يدلّ قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) على مرجوحيّة كلّ نجوى ومسارّة ، إلّا إذا كانت تأمر بالإصلاح والصدقة والمعروف ، ولعلّ السرّ فيه أنّ النجوى من سبل غواية الشيطان ولا بدّ أن يكون الإنسان بعيدا عنها ، قال تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [سورة المجادلة ، الآية : ١٠] إلّا إذا كان في مرضاة الله تعالى وسبل رضاه عزوجل ، وهي ما ورد في هذه الآية المباركة من الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس ، وإنّها هي الخير الّذي لا بدّ أن يبتغيه المتناجون.
وفي ذكر الصدقة في المقام مع كونها من المعروف لعلّه لأجل مرغوبيّة المسارّة فيها ، كما أنّ إثبات الأجر العظيم في النجوى الّذي يكون في مرضاة الله تعالى ؛ لأنّه يتمحّض في الخير ويبتعد عن غواية الشيطان ، فيكون مثل هذا النجوى خيرا محضا ، ويكون الجزاء المترتّب عليه عظيما.
العاشر : يستفاد من تعقيب قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) للآية المباركة السابقة الناهية عن النجوى ، إذا لم يكن في مرضاة الله تعالى بما يبيّنه عزوجل إنّما تكون لمشاقّة الرسول ومخالفته ومعصيته ، ويفسّر هذه الآية المباركة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) [سورة المجادلة ، الآية : ٩].
الحادي عشر : يستفاد من قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) أنّ المشاقّة لا تتحقّق إلّا بعد تبيّن الهدى ووضوح الحجّة وإقامة البرهان. وهنا بحث نفيس في أقسام الهداية وأصناف الناس في اتّباعها ، لا يسع الحال لذكرها ونحن في هذه الظروف الشاقّة المحزنة ـ والحمد لله على كلّ حال ـ وسنذكرها في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
الثاني عشر : يدلّ قوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أنّ سبيلهم بما