والمعنى : من يجعل نفسه شفيعا لآخر في حسنة ، يكون له حظ وافر ممّا يترتّب على شفاعته من الخير في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة ؛ لأنّ الشفيع ذو نصيب من الخير والشرّ المترتبتين على شفاعته لما كان فيها نوع من السببيّة ، كما عرفت.
واختلف العلماء في المراد من هذه الآية الكريمة ، والمستفاد منها أنّها تدلّ على تحريض المؤمنين على مراعاة الحقوق إمّا بدفع الشرّ ، أو جلب المنفعة ابتغاء وجه الله تعالى ، وتنبههم لأن يكونوا على يقظة من شفاعتهم ، فلا يشفعوا حتّى يعرفوا الأثر المترتّب عليها ، فإذا كانت في خير وحسنة فلا بأس بالشفاعة فيها ، وإن كانت في شرّ وفساد فلا بدّ من الاجتناب عنها ، فإنّ فيها إشاعة للشرّ وترويجا للباطل وتأييدا لأهل الظلم والطغيان والنفاق ، وفي ذلك الفساد العظيم.
وبمناسبة ذكر هذه الآية الشريفة بعد الآيات السابقة الّتي أمر فيها نبيّه الأعظم بالقتال منفردا لأجل حفظ كيان هذه الامة ، تأتي هذه الآية الكريمة وتأمر المؤمنين بنصرة النبيّ صلىاللهعليهوآله والانضمام إليه في هذا الخير العظيم ، فإنّ فيه نصرة الحقّ وإقامة شريعة الله تعالى ، فيكون لهم الشرف والنجاة في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة ، ففي الآية الشريفة تحريض للمؤمنين على قتال أعداء الله تعالى ، وأنّه يكون لهم الجزاء الحسن عنده تعالى.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها).
بيان للشفاعة المخالفة للشفاعة الحسنة ، وتشمل كلّ ما كان سيّئة ، كالانضمام إلى العدو وتخذيل المؤمنين ، والإعانة على السيئات ، والدعاء على المؤمن ، ومنها الشفاعة في إسقاط حدّ من حدود الله تعالى ، ففي الحديث : «من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله تعالى ، فقد ضادّ الله تعالى في ملكه ، ومن أعان على خصومة بغير حقّ ، كان في سخط الله تعالى حتّى ينزع» ، فمن يشفع الشفاعة السيئة يكن له مثل الوزر المترتّب على تلك السيئة ، فإنّ الكفل والنصيب والمثل واحد.