والمراد بالضرر في المقام الموانع الّتي تمنع المؤمن من القتال ، كالعمى والعرج والمرض وغير ذلك ممّا ورد في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) [سورة الفتح ، الآية : ١٧] ، وقد شرحتها لسنّة الشريفة أيضا.
قوله تعالى : (وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ).
أي : لا يكون القاعدون مساوين للمجاهدين في سبيل الله تعالى ، الّذين يبذلون أموالهم وينفقونها في سبيله تعالى للاستعداد بالجهاد وما يوهن كيد الأعداء والظفر بهم ، ويبذلون أنفسهم للقتال وحملاتها للكفاح عند لقاء الله عزوجل.
وإنّما أخّر سبحانه وتعالى المجاهدين في الذكر ؛ إيذانا بأنّ القصور في عدم الاستواء إنّما هو من جهة القاعدين ، لا من جهة المجاهدين ؛ وللتصريح بتفضيلهم على القاعدين.
وإنّما قدّم عزوجل ذكر الأموال على الأنفس وعكس في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١] وغيره كما مرّ ؛ لأنّ النفس أشرف من المال ، فقدّم المشتري النفس للتنبيه على أنّ الرغبة فيها أشدّ وأكثر. وأخّر في المقام ؛ لأنّ في البيع تكون المماكسة فيها أشدّ ، فلا يرضى ببيعها إلّا مع فائدة جليلة.
قوله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً).
بيان لجهة عدم الاستواء بين المجاهدين والقاعدين غير أولي الضرر ، وهي أنّ الله تعالى رفع المجاهدين درجة لا يعرف كنهها ولا قدرها ، فالمجاهدون لهم الفضل على القاعدين.
وتنوين الدرجة للتفخيم ، ونصبها على المصدرية لتضمّنها معنى التفضيل ووقوعها موقع المرّة ، مثل أن يقال : فضّلهم تفضيلا.