بالإرادة ـ وأثره إفراد القلب له تعالى بارتباطه إلى ساحة كبريائه والتبرّي عن كلّ ما دونه تعالى ، وهو الباعث لتحقّق الإضافة إليه تعالى ، الّتي هي السبب لتحقّق الفعل خارجا ، وإذا وجد الفعل بدونها كان مجرّد صورة ، كالأفعال التعليميّة.
ويعبّر عنه في الكتاب والسنّة بالإخلاص في الأفعال العباديّة أو المضافة إليه تعالى ، المتفرّد بها الإنسان عن غيره ، قال تعالى : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) [سورة الزمر ، الآية : ٢] ، وقال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [سورة البينة ، الآية : ٥] ، فكما لا قيام للأشباح إلّا بالأرواح وإلّا كانت ميتة ساقطة ، كذلك الأعمال العباديّة ، فلو لا الإخلاص والروح المعنوي فيها كانت مجرّد شبح وهيكل. ومراتب الإخلاص كدرجاتها تختلف حسب درجات الإيمان ، كما يأتي.
حقيقة الإخلاص :
وهي من الحقائق المحجوبة ولا تعرف إلّا بالأثر ، ولا يمكن وصفها وإن أدركها العرفاء الشامخون ، فإنّها تشرق على القلب وتنوّر النفس ويتشرّف المؤمن بالإخلاص إلى أعلى مراتب الكمال بلذّة ذلّ العبوديّة له تعالى ، وبه يخرق الحجب ويصل إلى معدن العظمة ، فعن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «انّه سئل عن الإخلاص فقال صلىاللهعليهوآله : حتّى اسأل جبرائيل ، فلما سأله قال : اسأل ربّ العزّة ، فلما سأله قال له : هو سرّ من أسراري أودعه قلب من أحببت من عبادي ، لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده» ، وعن سيد العرفاء أمير المؤمنين عليهالسلام : «هو أن تعبد الله كأنّك تراه» ، فحقيقة الإخلاص يدركها الخلّص من عباده ، ولكنّها لا توصف ، والإخلاص من أعلى مراتب التفويض.