ويمكن أن يراد منها بروج النجوم ، فيكون استعمال لفظ (المشيّدة) فيها على سبيل الاستعارة ، فتكون الآية للمبالغة ، وقد أشار إلى ذلك الشاعر :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه |
|
ولو نال أسباب السماء بسلّم |
ولكن سياق الآية المباركة يأبى ذلك.
ومعنى الآية الكريمة : أنّ الموت أمر لا مفرّ منه ، يأتيكم ولو كنتم متحصّنين في القصور المشيّدة والملاجي المحكمة المتينة ، فلا تعرضوا عن القتال في سبيل الله تعالى ، ولا تتوهّموا أنّكم إن لم تشتركوا فيه ولم تشهدوه تكونوا في مأمن من الموت ، فإنّ أجل الله آت ولا سبيل للهرب منه ، فيلحقكم الموت ويحلّ بكم.
قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
بيان لحال طائفة أخرى أهمّتهم أنفسهم ، لا يرضون بحكم الله فيهم ، والّتي حكي عنها عزوجل في آية أخرى ، فقال تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٥٤]. وفي المقام يحكي عزوجل عنهم بعض نواياهم الفاسدة ، وأمر نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يجيبهم ويرشدهم إلى الحقيقة والواقع. وإنّما أمر رسوله الكريم بالجواب ؛ لأنّه واسطة الفيض ، ولأنّهم كانوا يعتقدون أنّ السيئة الّتي تصيبهم إنّما هي من ناحية وجود الرسول صلىاللهعليهوآله فيهم.
وهذه الآية المباركة وإن كانت مع الآية الشريفة السابقة في سياق واحد تدلان على كراهيّة الطائفتين للقتال ، إلّا أنّ الطائفة الأولى كرهت القتال وطلبت التأجيل ، وهذه الطائفة تزعم أنّ السيئة الّتي تصيبهم إنّما لأجل وجود الرسول صلىاللهعليهوآله أو من ناحية أوامره وأحكامه. وذكر جمع من المفسّرين أنّ الآية الكريمة تدلّ على أنّ هذه الطائفة هي الأولى ، ولكن يمكن أن يستفاد من القرائن التعدّد كما عرفت.