إلهيّة أعطاها الله لنا فنتشرّف بها بالتقرّب إليه ، وذلك شأن جميع الأحكام. ويستفاد منها أنّ القصر فيها عزيمة لا رخصة.
وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) ، أنّه معطوف على قوله تعالى في سورة آل عمران : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) ، وقد ذكرنا هناك سبب نزول الآية.
أقول : لعلّ المراد العطف من حيث وحدة المعنى وسياق الآيات الكريمة ، لا العطف المصطلح ، ويشهد لما ذكرنا ما روي عن ابي سفيان ، قال عند انصرافه من أحد : يا محمد ، موعدنا موسم بدر القابل إن شئت ، فقال صلىاللهعليهوآله : إن شاء الله ، فلما كان القابل ألقى الله الرعب في قلبه فندم على ما قال ، فبعث نعيم بن مسعود ليخوّف المؤمنين من الخروج إلى بدر ، فلما أتى نعيم المدينة وجد المؤمنين يتجهّزون للخروج فقال لهم : إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، ففتر المؤمنين فقال صلىاللهعليهوآله : لأخرجنّ ولو لم يخرج معي أحد ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ).
وفي الدرّ المنثور عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) قال : «توجعون ، (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) قال : ترجون الخير».
أقول : الوجع أعمّ من الوجع الجسدي والنفسي ، كما أنّ الخير أعمّ من الخير الدنيوي والأخروي ، فيشمل الحياة والرزق والعلم والجاه ومآرب الدنيا الّتي فيها رضاؤه جلّ شأنه ومنازل الآخرة الّتي تنال بالشهادة.
بحث فقهي :
استدلّ فقهاؤنا الأبرار (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) بقوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) على ثبوت قصر الصلاة في السفر ، وكذا استدلّوا بها على قصر صلاة الخوف سفرا وحضرا ، وكذا صلاة المطاردة.