تعالى ، بدليل قوله تعالى : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) ، ومع ذلك فقد وقعوا موقع التوبيخ ؛ لأنّه يرجع إلى تولّي أعداء الله تعالى.
الثالث : يدلّ قوله تعالى : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) ، على أنّ الأعمال لها الشأن الكبير في النكوص عن الحقّ والإعراض عن طاعة الله تعالى والدخول في سلك أعدائه عزوجل وانسلاكه في زمرة المنافقين.
الرابع : يستفاد من قوله تعالى : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أنّ جميع ما يعدّه الإنسان في هداية شخص وما يبذله من جهد في إراءة الطريق ، لا يجدي نفعا إذا لم تسبقه هداية من الله تعالى وتوفيق منه عزوجل ، فهي كالعلّة المادّية لقبول الصور الواقعة عليها ، الّتي تحصل من إيمان الفرد وجهده وعمله.
الخامس : يستفاد من مجموع الآيات الشريفة في المقام أنّ المنافقين الّذين ورد ذكرهم فيها على فريقين : فريق دخلوا في الإسلام خوفا من الحسام ، وقد أبطنوا الكفر ، يتربّصون بالمسلمين الدوائر ، يظهرون المودّة لهم إذا ظهر لهم قوّة ، وإذا تبيّن ضعفهم انقلبوا عليهم وأظهروا العداوة والبغضاء ، وفريق آخر يظهرون الولاء للمسلمين طمعا للمال أو المادّة ، فهم يتبعونه أينما وجد ، مذبذبون بين ذلك ، لا إلى المسلمين ولا إلى الكفّار فيأمنوا الجانبين ، تراهم يردّون إلى الفتنة شرّ تحوّل مرة بعد أخرى ، وهناك فريق ثالث دخلوا في الإسلام ولم يهتدوا بهديه ، تراهم ينكصون عن الطاعة ويتمرّدون على الشريعة ، ولم يستسلموا لأحكام الله تعالى ورسوله ، وفريق رابع لاحظوا الجوانب المادّية والبعد المادّي في الإسلام ، ولكنّهم يعرضون عن الجانب المعنوي الروحاني فيه ، فتراهم يعملون ويطيعون لأجل البعد المادّي ، قد فقد فيهم الخلوص ، وهم منافقون في الأعمال ، بخلاف القسم الأوّل الّذي كان النفاق في الإيمان والأعمال ، وهذان الفريقان وإن لم يذكرا في هذه الآيات المباركة ولكن سبقت الإشارة إليهما في الآيات الكريمة السابقة ، وسيأتي أقسام