وربّما يكون التوصيف بالقليل ؛ لأنّه مقابل الآخرة الّتي لها الدوام والتأبيد ، ففي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة ثمّ راح وتركها».
والآية الكريمة بأسلوبها البليغ لها الإيحاء النفسيّ بأن الانهماك في طلب هذا المتاع والانقطاع إلى الحياة الدنيا وعدم الإحساس بالاستكفاء ، بل لطلب المزيد أيضا ، لا بدّ أن يكون له حدّ ، وأنّه يتوقّف في زمن ما ، وأنّ الّذي استحوذ عليه قليل ، وأنّ هناك ما هو أكبر وأشهى وألذ وأمتع وأدوم ، فيحسّ بالنقصان والضياع والقلق الدائم من الحرمان منه ، ولذا نرى أنّه لا يصفو للإنسان في الأرض متاع خالص من المنغّصات ، وأنّ ذلك قد ارتكز في قرار النفس الإنسانيّ ، فتكون لهذه الآية المباركة الأثر التربويّ والنفسيّ على الإنسان ؛ ليحسّ بما وراء هذه الحياة الفانية الزائلة ويعمل له ، وينحصر الطريق إليه بالتقوى الّتي تجلب للإنسان الطمأنينة من جميع الجهات ، وهي الّتي ترفع نكد العيش في هذه الحياة ، فتكون حياة آمنة مطمئنة لا ظلم فيها ولا بخس ، وإنّ كلّ متاع حرم منه هذا الشخص في الدنيا لا يضيع عند الله عزوجل ، فلا تكون هناك خسارة حتّى يتحسّر الإنسان عليها ، هذه هي التوجيهات الإلهيّة في هذا الميدان الّذي يتطلّب ثبات النفس واستقرارها وعلمها بعدم الحرمان والخسارة.
ولعمري ، إنّه لو اجتمع جميع العلماء لإرساء قاعدة واحدة من تلك القواعد في ميدان الجهاد والقتال ، من دون الاعتماد على الوحي الإلهيّ ، لعجزوا عن ذلك ، قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٨٨].
الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) نظرية الإسلام في هذه الحياة ، فإنّها لا تدعو إلى الانصراف عنها وتركها والرضا بكلّ عيش نكد وشديد ، بل حتّى الرضا بالظلم والعذاب في الدنيا لأجل التنعّم في الآخرة ، فإنّ ذلك