وكيف كان ، انّ الزلخ وجع يأخذ في الظهر لا يتحرّك الإنسان من شدّته. وذكر الواقدي في المغازي أنّ المشركين في غزوة ذات الرقاع كانوا من بني أنمار وثعلبة. إذا ما ورد فيها تكون نفس غزوة ذات الرقاع. ويمكن الجمع بين ما تقدّم وبين ما ذكره الواقدي بأنّ المشركين كانوا في غزوة ذات الرقاع من قبائل متعدّدة أكثرها ثعلبة وبنو محارب ومنهم بنو أنمار أيضا ، فلا تنافي حينئذ. وعلى أيّة حال لا يهمّنا ذلك.
وإنّها تدلّ على عنايته جلّت عظمته برسوله الكريم ودوام إمدادته الخاصّة به بحفظه عن المشركين الّذين هم كانوا أعداء له صلىاللهعليهوآله ، ولعلّ الوجه في عدم قتل رسول الله صلىاللهعليهوآله الرجل لإتمام الحجّة عليه ، وأنّه صلىاللهعليهوآله ليس في مقام الانتقام أو التشفّي ، وأنّ الآية الشريفة المذكورة فيها إمّا من باب التطبيق ، أو من باب تعدّد النزول.
وفي الدرّ المنثور بإسناده عن ابن عباس قال : «صلّينا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله بين مكّة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ، ركعتين».
أقول : تدلّ الرواية على أنّ القصر في الصلاة في السفر الشرعي لا يناط بالخوف ، وما ذكر في الآية المباركة من إحدى حكم التشريع لا العلّة المنحصرة بها الحكم ، كما في مثل الإسكار على ما تقدّم في التفسير.
وممّا ذكرنا يظهر الوجه في ما رواه البخاري وغيره عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : «صلّيت مع النبيّ صلىاللهعليهوآله الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين» ؛ فإنّ السفر الشرعي تحقّق سواء كان ذلك بمنى أو غيرها ، وهو موجب لقصر الصلاة.
وفي الكافي بإسناده عن داود بن فرقد قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)؟ قال : كتابا ثابتا ، وليس إذ عجّلت قليلا أو أخّرت قليلا بالّذي يضرّك ما لم تضع تلك الإضاعة ، فإنّ الله عزوجل يقول : (أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)».