أصابع الصفة التي هي أنوار آزال الآزال ، وآباد الآباد ، طالبه يوصل الوصل ، وعرفان العرفان ، وحقيقة الحقيقة ، كالفراش حول الشمع كمال شوقها الاحتراق بنيرانه ، كذلك قلوبهم محترقة هناك بنيران الكبرياء ، فانية في سطوات الجلال ، باقية بسبحات الجمال ، مصونة عن ذل الحجاب ، محروسة عن طيران العذاب ، كيف يخلّلها قتام الوسواس ، فهواجس بالنفس ، وحديث الناس ، سبحان من صفاهم بصفاته عن كل كدور ، وبراهم بقدسه عن كل علة ، الوسواس في الصدور ، والقلوب في الحضور والنور والسرور ، كيف يصل حركات الإنسانية إلى من استغرق في بحار الوحدانية ، لا بأس بأن طوى على الصدور وسواس وهواجس من محل الامتحان ، فإنّ الأرواح في يمين الرحمن ، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، والحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة ، ألا ترى كيف شكا عنه خواص الصحابة إلى حبيب الله وصفيّه صلوات الله وسلامه عليه ، فقالوا : «إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلّم به» ، فقال : أو قد وجدتموه؟ قالوا : نعم. قال : «ذلك صريح الإيمان» (١).
وقال أبو عمرو البخاري : أصل الوسوسة ينتجها من عشرة أشياء :
أولها : «الحرص» : فقاتله بالتوكل والقناعة ، والثانية : «الأمل» : فاكسره بمناجاة الأجل ، والثالثة : «التمتع بشهوات الدنيا» : فقاتله بزوال النعمة وطول الحساب ، والرابعة : «الحسد» : فاكسره برؤية العدل ، والخامسة : «البلاء» : فاكسره برؤية المنة والعوافي ، والسادسة : «الكبر» : فاكسره بالتواضع ، والسابعة : «الاستخفاف بحرمة المؤمنين» : فاكسره بتعظيم حرمتهم ، والثامنة : «حب الدنيا والمحمدة من الناس» : فاكسره بالإخلاص ، والتاسعة : «طلب العلو والرفعة» : فاكسره بالخشوع ، والعاشرة : «المنع والبخل» : فاكسره بالجود والسخاء ، والحمد لله حمدا لا انقطاع له ولا انتهاء ، والصلاة والسلام على سيد الرسل وخاتم الأنبياء ، وعلى آله وصبحه وسائر الأولياء ، ما دامت الأرض والسماء.
تم بحمد الله وتوفيقه
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ١١٩).