فقيل له : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) أي : على همة جليلة ؛ إذ لم يؤثر فيك شيء من الأكوان ، ولا يرضيك شيء منها.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧) أي : كنت يتيما منقطعا عنا فينا ، فآواك عنك بنا إلينا ، ووجدك متحيّرا عن إدراك حقيقتنا ، فكحلناك بكحل أنوار ربوبيتنا حتى أدركتنا بنا ، ووجدك عائلا من كنوز علوم القدم ، ووصال الأبد ، فأغناك بهما ، فإذا كان كذلك فلاطف كل منقطع عنا وهو يتم الفراق بقوله : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (٩) ، ولا نكتم شرفك ورفعتك عن كل سائل طالب ، وقل له حقائق لطفنا باللطف ، ولا تمنعه بقوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (١٠) ، وظهر بعض ما كوشفت من أسرارنا وأنوارنا ولطفنا ورحمتنا لكل مشتاق إلى لقائنا ، وحبّبهم إلينا بحديثك عنا بقوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١).
قال ابن عطاء في قوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) : معناه : وجدك اليتيم فآوى بك ، ووجدك الضال فهدي بك ، ووجدك العائل فأغنى بك ، ولا يكون الوجدان إلا بعد الطلب ، وكان طالبا له في الأزل ، فوجده ، ثم أوجده سفيرا بين خلقه.
وقال جعفر في قوله : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) : كنت ضالا عن محبتي لك في الأزل ، فمننت عليك بمعرفتي.
قال الحريري : وجدك مترددا عن غوامض معاني المحبّة ، فهداك بلطفه إلى ما رمته في ولهك ، وهذا مقام الوله عندنا.
قال بندار بن الحسين في قوله : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) (٨) : كنت قائما مقام الاستدلال ، فتعرّفت إليك ، وأغنيتك بالمعرفة عن الشواهد والأدلّة.
وقال بعضهم في قوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) أي : وحيد الأمثل لك ، ولا نظير في شرفك وهمتك ، فآواك إليه.
وقال بعضهم في قوله : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) : لا تعلم قدر نفسك ، فأعلمتك قدرك.
قال جعفر في قوله : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) أي : العارين عن خلعة الإسلام ، ولا تقنط من رحمتي ، فإنّي قادر ألبسه لباس الهداية ، والسائل إذا سألك عني فدلّه عليّ بألطف دلالة ، فإنّي قريب مجيب.
وقال ابن عطاء : المؤمنون كلهم أيتام الله في حجره ، فلا تقهرهم أي : لا تبعدهم عنك ،