بالحقيقة ، وأيضا الشاهد هو ، إذا تجلّى بتجلّي الجمال والحسن ، والمشهود كله مستحسن جميل بجماله ، وأيضا الشاهد هو ، والمشهود قلوب العارفين شاهدها بنعت الكشف ، وأيضا الشاهد قلوب المحبين ، ومشهود لقائه هو شاهدهم ، وهو مشهودهم هو شاهد العارف والعارف شاهده.
قال الواسطي : الشاهد هو ، والمشهود الكون لا يقال متى شهدهم ، ولا يحدث لله شهادة ، فحيث كانت الربوبية كانت العبودية ؛ لأنه شهدهم قبل خلقهم علما وقدرة ورؤية ، وتصريفا في الإيجاد والإبقاء والإفناء ، لم يحدث له في إحداث الخلق أحداث ؛ لأنه لا فصل ، ولا وصل ، والوجود معدوم ، والمعدوم موجود لم يحضر آباد وقته ، وأحضرهم أحداث أوقاته ، ولما ثبت الشهود بالمشاهدة وجب أنه لم يكن عنده مفقودا أبدا ، أو يستحيل أن يكون البارئ مفقودا.
قال الفارس : كلاهما عائد عليه هو الناظر ، والمنظور إليه ، وهو الشاهد لخلقه ، والمشاهد لهم بوجود الإيمان وحقائقه.
قال الحسين : في هذه الآية علامة أنه ما انفصل الكون عن المكوّن ولا قاربه.
قال سهل : الشاهد نفس الروح ، والمشهود نفس الطبع ، وقد وقعت لى نكتة في التوحيد : أنه تعالى لم يزل شاهدا ، فلو ثبت مشهودا غير نفسه من الحدثان ، فإذا تقول بقدم الحادث والعلم بوجود المحدثات على الحقيقة كان مشهود الحق إذا كان في علمه علم كينونية المكوّنات ، وكيفية وجودها ، فإذا وجودها وعدمها سواء في شهود الحق.
(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢))
قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (١٣) : يبدئ المفقود من العدم بنور القدم ، ويعيد الموجود بقهر استيلاء الوحدانية حتى يصير الموجود معدوما ، ثم يعيده يوم الميثاق للحكم والقضاء ، يبدئ بالتجلي قلوب العارفين ، فيفنيها ثم يعيد بالتدلّي فيحييها.
وقال ابن عطاء : يبدئ بإظهار القدرة ، فيوجد المعدوم ، ثم يعيد بإظهار الهيبة ، فيفقد الموجود.
قال جعفر : يبدئ فيفنى عمّن سواه ، ثم يعيد فيبقى بإبقائه.
قوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (١٤) : «غفور» للجنايات ، و «الودود» بكشف المشاهدات.
قال الواسطي : «الغفور» : بما يرتكبونه من أنواع المخالفات ، و «الودود» : بما أبدئ