الكتاب المرقوم ، فمن كان بذلك الحال فهو تكلم من جهة الحق بلا واسطة.
قال الحريري : رقّم الله به قلوب عباده بما قضى عليهم في الأزل من الشقاوة والسعادة ، فذلك رقم خفيّ في أسرار العباد ، وظاهر على هياكلهم ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «كلّ ميسّر لما خلق له» (١).
قال ابن عطاء في قوله : (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) : يشهد على أسرار الأولياء والأبرار من المقربين.
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦))
قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) (٢٣) : هم في نعيم الوصلة ينظرون إلى المشاهدة ، وذلك النظر أورث وجوههم نضرة ونورا وبشارة يعرف صاحبها بها ؛ لذلك قال الله : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (٢٤).
قال ابن عطاء : على أرائك المعرفة ينظرون إلى المعروف ، وعلى أرائك القربة ينظرون إلى الرؤوف.
وقال جعفر في قوله : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ) : تبقى لذة النظر تتلألأ مثل الشمس ، في وجوههم رضا محبوبهم عنهم.
قوله تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) (٢٦) أي : ليبادر في طلبها المبادرون إلى القربات والمشاهدات بسني المعاملات ، وتطهير الأسرار من الخطرات.
قال ذو النون : علامة المتنافسين تعلّق القلب به ، وطيران الضمير إليه ، والحركة عند ذكره ، والهرب من الناس ، والأنس بالوحدة ، والبكاء على ما سلف ، وحلاوة سماء الذكر ، والتدبر في كلام الرحمن ، وتلقّي النعيم بالفرح ، والشكر والتعريض للمناجاة.
__________________
(١) رواه البخاري (٦ / ٢٧٤٤) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤١).