ورؤية منته.
قوله تعالى : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) (٢٦) : صب ماء المعرفة على قلوب العارفين ، وشققها نبات الحكمة ، وأزهار المحبة.
قال ابن عطاء : صبّ من ماء معانيه على قلوب أهل معاملته صبّا ، فانشقّ منها معرفة ووجدا ، ثم أنبت فيها محبة وحكما وفهما.
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢))
قوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (٣٤) : أكّد الله أمر نصيحته لعباده ألا يعتمدوا إلى من سواه في الدنيا والآخرة ، فإن ما سواه لا يفقده من قبض الله ، حتى يفرّ مما دون الله إلى الله.
قال الأبهري : يفر منهم إذا ظهر لهم عجزهم ، وقلة حيلتهم إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنهم ، ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد سوى ربه الذي لا يعجزه شيء ، ولكن من فسحة التوكل ، واستراح في ظل النفوس.
قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧) : لكل واحد منهم شأن يشغله ، وللعارف شأن مع الله في مشاهدته يغنيه عما سوى الله.
قال يحيى بن معاذ : إذا شغلتك نفسك في دنياك وعقباك عن ربك ، أما في الدنيا ففي طلب مرادها ، واتباع شهواتها ، وأما في الآخرة فقد أخبر الله عنها بقوله : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧) ، فمتى تفزع إلى معرفة ربك وطاعته؟
قال الأستاذ : العارف مع الخلق ، ولكنه مفارقهم بقلبه ، وأنشد :
ولقد جعلتك في الفؤاد محدّثي |
|
وأبحت جسمي من أراد جلوسي |
قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (٣٩) : وجوه العارفين مسفرة بطلوع أسفار صبح تجلّى جمال الحق فيها ، ضاحكة من الفرح بوصولها إلى مشاهدة حبيبها ، مستبشرة بخطابه ، ووجدان حسن رضاه ، والعلم ببقائها مع بقاء الله.
قال ابن طاهر : كشف عنها ستور الغفلة ، فضحكت بالدنو من الحق ، واستبشرت بمشاهدته.
قال ابن عطاء : أسفرت تلك الوجوه بنظرها إلى مولاها ، وأضحكها رضا الله عنها.