بالإنذار ، فلما عصوه أثر منه قومه من قهر الجبروت ، والأنبياء ، والأولياء في درجات القرب على تفاوت ، فبعضهم يخرجون من نور الجلال ، وبعضهم يخرجون من نور الجمال أورث قومه البسط ، والأنس ، والسهولة ، ومن خرج من نور العظمة أورث قومه الهيبة ، والإجلال.
(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩))
قوله تعالى : (وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) (٧) : من أصرّ على المعصية أورثه التمادي في الضلالة حتى يرى قبيح أعماله مستحسنا ، فإذا رآه مستحسنا يستكبر ويعلو به على أولياء الله ، ولا يقبل بعد ذلك نصيحتهم.
قال سهل : الإصرار على الذنب يورث الاستكبار ، والاستكبار يورث الجهل ، والجهل يورث التخطّي في الباطل ، والتخطّي في الباطل يورث قساوة القلب ، وقساوة القلب يورث النفاق ، والنفاق يورث الكفر.
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠))
قوله تعالى : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) (١٠) : كان الله في الأزل غفّارا لذنوب عباده ، فدعاهم إلى رؤية غفرانه الأزلي بنعت الافتقار إليه ، ورؤية التقصير في العبودية ، والندم على ما ضاع من أيّامهم بالغفلة عن الله.
قال بعضهم : الاستغفار أوائل طلب التوبة.
(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣))
قوله تعالى : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١١) ، أي : إذا كنتم مستسقين من عطش الشوق إلى لقائه ينزّل من سماء قربه مطر رحمته ، وهي كشف مشاهدته ، ثم ذلك المطر الغزير بأنه ينبت في بساتين قلوبهم أشجار المعرفة ، ورياحين المحبة ، ويجري في أرض عقولهم أنهار الحكمة ، بقوله : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) (١٢).
قال جعفر : يزيّن ظاهركم بزينة الخدمة ، وباطنكم بأنوار الإيمان.
__________________
ـ السالك في بعض المواطن إلى حيث يأخذ الإذن من الله تعالى بلا واسطة ، وذلك لا يلزم منه ترك الوساطة ، فإن ذلك بشفاعة الواسطة ، أو باستهلاك الكل في عين الجمع ، وليس هناك إلا الله تعالى.