قال سهل : الصبر الجميل رضا بغير شكوى ، ثم بيّن أن الكافرين والمنكرين يرونهم عذابا بعيدا ، بقوله : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً) (٧) : إن المنكر لا يظن أنه مأخوذ قط ، ولا يعلم أنه وقع في العذاب ، ولا يدري.
قال سهل : إنهم يرون المقضي عليهم من الموت والبعث والحساب بعيد البعد ، أما قوله : (وَنَراهُ قَرِيباً) : فإن كل كائن قريب ، والبعيد ما لا يكون.
(يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨) إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٢١) : طبع الإنسانية خلق ضعيفا لا يطيق تحمّل البلاء ، قال سبحانه : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٢٨) : وذلك الطبع طبع ممتزج بطبع الشيطاني ، والنفساني والهوائي ، والشهواني ، فإذا أتاه مراده سكن به ، ويمنع ذلك من طلاب الخير ، وإذا لم يؤت إليه مراده يشتكي ، ويجزع ، ويضجر ، ولا يصبر ، فإذا أراد الله بالعبد خيرا جعل ذلك الطبع مسخّرا له حتى يطمئن.
(إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢))
قال الله تعالى : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) : يعني العارفين بالله ، الساكنين تحت جريان مقاديره ، المستقيمين به عند امتحانه.
قال سهل : هلوعا منقلبا في حركات الشهوات ، واتباع الهوى.
قال ابن عطاء : «الهلوع» الذي عند الموجود يرضى ، وعند المقصود يسخط.
وقال في قوله : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (١) : العارفين بمقادير الأشياء ، فلا يكون لهم لغير الله
__________________
(١) اعلم أن دوام الصلاة لا يمكن بالصورة ؛ بل بالمعنى ؛ وذلك أن من سجد قلبه لله تعالى سجدة حقيقية ، وخضع خضوعا تاما ؛ فإن عبادته لله تعالى مستمرة سواء كان على اليقظة ، أو على النوم ؛ لأن النوم إنما يجري على صورته لا على قلبه ، كما أشار إليه النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «ينام عيناي ولا ينام قلبي» ، فإذا كان قلب الرجل يقظانا ، سرى ذلك في جميع أجزائه وقواه ؛ فإن القلب أصل القوى والجسد ، فإذا صلح ؛ صلح القوى والجسد كلها ، كما أنه إذا فسد ؛ فسد القوى والجسد كلها.