قال الأستاذ : تسبّح في بحار توحيد الحق أسرار أهل التحقيق بحرهم بلا شاطئ ، فبعدما حصلوا فيها فلا خروج ولا براح ، فحازت أيديهم جواهر التفريد ، فوضعوها في تاج العرفان ، ولبسوه يوم اللقاء.
قوله تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) : فضله معرفته ومحبته والاستقامة فيهما بنعت العبودية في مشاهدة الربوبية ، يؤت هذا الفضل من يشاء من عباده المصطفين في الأزل.
قال الجوزجاني : ذلك «الفضل» : هو الأنس بالله ، إذا وجدوا نعمة الإنس نسوا كل نعمة دونه ، إذا وجدوا نعمة فوق كل نعمة ، بأن ربّهم نعّمهم في معرفته ، وهو قوله : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ.)
وقال الحسين : جاد الجواد بجوده لغير علة ، وتفضل بالفضل ، وأتمها بالمنن ، وغشاها بالنعم ؛ إذ يقول : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ، فقطع بالمشيئة ولحق الأسباب ، فكان الكرم منه صرفا لا يمازجه العلل ولا يكتسبها الحبل ، جاد به في الدهور قبل إظهار الأمور.
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١))
قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) حزب الله المدّعين في محبته بالموت ، وأفرز الصادقين من بينهم لما غلب عليهم من شوق الله وحب الموت ، فتبين صدق الصادقين هاهنا من كذب الكاذبين ؛ إذ الصادق يختار اللحوق إليه ، والكاذب يفرّ منه.