الإشارات بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) : هذا زجر وتهديد لأهل التحقيق والمشاهدة ؛ إذ ليس للعبد فعل ولا تدبير ؛ لأنه أسير في قبضة العزة يجري عليه أحكام القدرة وتصاريف المشيئة ، فمن قال : فصلت أو أنبت أو شهدت فقد نسى مولاه وأعرض عن بره ، وادّعى ما ليس له.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥))
قوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) : وصف قوما لهم استعداد الطاعة والمعرفة ، وأراهم سبيل الرشد ، وخلق في نفوسهم حظوظ الهوى ، فتركوا الحق ، واتبعوا هواهم ، فطمس الله أعين قلوبهم عن مشاهدة الغيب ، وهذه فتنة أهلكت أكثر القاصدين في أوائل قصدهم.
قال جعفر : لما تركوا أوامر الخدمة نزع من قلوبهم نور الإيمان ، وجعل الشيطان إليهم طريقا ، فأزاغهم عن طريق الحق ، وأدخلهم في مسالك الباطل.
وقال الواسطي : لما زاغوا عن القربة في العلم أزاغ الله قلوبهم في الخلقة.
قال الأستاذ : لما زاغوا عن العبادة أزاغ الله قلوبهم عن الإرادة.
(وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١))
قوله تعالى : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) : بشّرهم برؤية أحمد صلىاللهعليهوسلم وقدومه ؛ لأن في وجهه شروق أنوار الأزل ، وبقدومه ظهرت سواطع نور الأبد ، كان أحمد في علم ما كان بحمد الله سماء أحمد ، بعد أن جعله محمودا بحمده ، ومصباحا منورا بنوره ، حمده محمودا بلسان الحق وثنائه ، وذلك اصطفائية خاصة أزلية ، منتهاها المقام المحمود ، وذلك المقام