قال أبو عثمان : الأدب عند الأكابر وفي مجالس السادات من الأولياء يبلغ بصاحبه إلى الدرجات الأعلى والخير في الأولى والعقبى ، ألا ترى الله بقوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) إلخ.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩))
قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) : جعل قلوبكم مستعدة لقبول معرفته ، ثم قذف فيها أنوار قربه ، وزيّنها بنقوش محبته ، زيّن عروس التوحيد بزينة المشاهدة في أعين أزواجهم ، وجذبها به إلى بساتين الغيب ، حتى رأوا لطائف بره وعجائب ملكه وملكوته ، ثم منّ عليهم بأن بغضهم العصيان والفسوق بتكريهه إليهم ، كما أنه حببهم أعمال الإيمان بتحبيبه إليهم بغير علة ولا سبب بل فضلا ومنّة ؛ حيث أرشدهم إلى نفسه ، وحبّب إليهم قربه ووصاله بقوله : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (٧).
قال سهل : حبّب إليكم العمل بأوامر الإيمان ، وزيّن في قلوبكم تلك الأوامر ، ثم زاد في تأكيد ما ذكرنا أن ذلك الرشد وحب الإيمان فضل منه وكرم بقوله : (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) : فضله اصطفائيتهم في الأزل ، ونعمته قربه ومعرفته.
قال سهل : بفضل الله عليهم فيما ابتدأهم به ، وهداهم إليه من أنواع القرب والزلفى.
قال الواسطي : المؤمن يكره العصيان ، ولكن يغيب عن شاهده ؛ ليغلب عليه شواهد شهوته ، فيأتيها ، وذلك إنفاذ قضيته وتنبيه على ضعفه.
قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) : إشارة الحقيقة في الآية أن وقائع الغيب عند كشوفها في صدور الأولياء على خلاف مذاق الروح والقلب والعقل والسر ؛ لوجود إتيانها من الغيب بالبديهة ، فبعضها للروح ، وبعضها للسر ، وبعضها للعقل ، وبعضها للقلب فما وقع في السر فهو أعظم مما وقع على الروح ، وما وقع على الروح أعظم مما وقع على القلب ، وما وقع على القلب أعظم مما وقع على العقل ؛ لأن واقعة السر