الاتصاف والاتحاد حتى تسير الربوبية في ركاب حيزوم القدم في ميادين الأزل إلى الأبد بنعت التوحيد والتجريد والتفريد ، وذلك تمام نعمته التي عليه أخبرنا الحق عنها بقوله : (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) ، ثم بيّن أنه يهديه إلى طريق مشيئة الأزل المستقيمة بالإرادة والوحدانية ، وذلك الطريق ما يسلك فيه عساكر جنود أنوار التجلي والتدلي بقوله : (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢) ، ذلك الصراط للحق لا للخلق ؛ لأن الحادث لا يسلك في القدم ، أقامه الحق على رأس ذلك الطريق ، وكان لا يعرف أين يسلك حتى بدت أنوار بريد تجلي القدم الذي استقبله ، فهداه إلى مسالك الديمومية ، فأذهب به الحق إلى معارج دنوه ، وذلك ما أنبأنا الله من سيره من الحدث إلى القدم بقوله : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) ، فإذا وصل إلى قلب عساكر الواحدنية وغلبت عليه سطوات جنود الفطنة استغاث منه إليه ؛ حيث قال : «أعوذ بك منك» (١) ، فلبسه الله أنوار ربوبيته ، وأيّده بقوته الأزلية حتى استقام بالحق في الحق ، فأخرج الحق جنود رحمته الباقية ، فقوّاه بها ، وسكن بها قهر القدم بقوله : «سبقت رحمتي غضبي» (٢) ، وذلك قوله : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً.)
قال ابن عطاء : جمع الله للنبي صلىاللهعليهوسلم في هذه الآية من نعم مختلفة : بين الفتح المبين وهو من أعلام الإجابة ، والمغفرة وهي من أعلام المحبة ، وتمام النعمة وهي من أعلام الاختصاص ، والهداية وهي من التحقق بالحق ، والنصر وهو من أعلام الولاية ، والمغفرة تبرئة من العيوب ، وتمام النعمة إبلاغ الدرجة الكاملة من الحق ، والهداية هي الدعوة إلى المشاهدة ، والنصرة هي رؤية الكل من الحق من غير أن يرجع إلى سواه.
وقال الواسطي : فتح عين رسوله صلىاللهعليهوسلم لمشاهدته في المسرى ، وفتح سمعه لفهم كلامه كفاحا بعد أن قوّاه لذلك وأكرمه به.
وقال ابن عطاء : كشف ذنوب الأنبياء عليهمالسلام ، ونادى عليه ، وستر ذنوب النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.)
قال أبو يزيد في قوله : (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢) : هو السبيل إلى قربه ليلة المعراج ؛ حيث تأخر جبريل عليه السّلام ، ولم يكن ذلك محله ، فهدى الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى السبيل الحق ، وهو الصراط المستقيم.
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه البخاري (٦ / ٢٧٤٥) ، ومسلم (٤ / ٢١٠٨).