والأوتاد ، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام : «الورد الأحمر من بهاء الله ، من أراد أن ينظر إلى بهاء الله فلينظر إلى الورد الأحمر» (١).
قال تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) أي : سنريهم هذه الحقائق في الآيات وفي أنفسهم ؛ حتى يتبين لهم أنها هي الحق بعينه لا الآيات ولا الآفاق ولا الأنفس إن لاح الحق من الحق لأهل الحق ، وتأكيد ذلك برهان ظهوره من كل شيء وشهوده على كل ذرة من العرش إلى الثرى بنعت التجلي ، وتبسم صبح الأزل في عيون المشاهدين جلاله.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٥٣) أي : ظاهر من كل شيء بسطوع نور أزليته منه لكل مستأنس شاهد به فيه ، ثم بيّن أن المحرومين في الأزل بسبق الشقاوة لا يرونه حقيقة وبيانا وكشفا وعيانا وعزّا وسلطانا وبرهانا بقوله : (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) أي : إنهم مطموسون عن مشاهدته بلطمات قهره ، فهم في شكّ وريب من حيث عماهم وجهالتهم ، ثم أكّد أمر ظهوره على الكل بقوله : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٥٤) : أحاط علمه وقدرته وجلاله وجماله بكل شيء من العرش إلى الثرى ، لكن لا يراه بنعوتها إلا العاشقون الوالهون العارفون.
قال القحطبي (٢) : لا يزال العبد يرتقي من حال إلى حال حتى يبلغ إلى الأحوال السنية العلية ؛ فيرى الله قائما بالأشياء ، ثم يرقى به من ذلك الحال حتى يرى الأشياء فانية في رؤية الحق ، ويتيقن أن القديم إذا قورن بالحدث لا يثبت له أثر ، وإن جلّ قدره وعظم خطره ، وهو معنى قوله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) ، وهو النظر إلى الكون بمشاهد الحق ، ثم النظر إلى الحق بالفناء من الكون ، وهو أن تصير النعوت نعتا ، ولا يشهد إلا حقّا صرفا.
وسئل أبو عثمان عمن يقول بالشاهد؟ فقال : لا أنكر القول بالشاهد لمن يشهد الأشياء كلها شيئا واحدا.
وقال الواسطي : ظهر من كل شيء بما أظهر منه ، وإظهاره الأشياء ظهوره بها ، فإذا فتّشها لا يحد غير الله ، قال الله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
__________________
(١) رواه الديلمي في الفردوس (١ / ١٧١).
(٢) أبو القاسم القحطبي : الصوفي كان أحد الصلحاء الصوفية بطرسوس ، وذكره أبو عمرو الطرسوسي. بغية الطلب في تاريخ حلب (٤ / ٣٧٥).