وقال جعفر : زيّنا جوارح المؤمنين بالخدمة.
وقال الجنيد : زيّنا الجنة بنور مناجاة العارفين وزهرة خدمة العابدين.
قال الأستاذ في قوله : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) : الجبال أوتاد الأرض في الصورة ، والأولياء أوتاد الأرض في الحقيقة ، فبارك فيها البركة والزيادة ، يأتيهم المطر ببركة الأولياء ، ويندفع عنهم البلاء ببركتهم (١).
وقال في قوله : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) : جعل نفوس العابدين أرضا لطاعته وعبادته ، وجعل قلوبهم فلكا لنجوم علمه وشمس معرفته ، فأوتاد النفوس الخوف والرجاء والرغبة والرهبة ، وفي القلوب ضياء العرفان وشموس التوحيد ونجوم العلوم والعقول والنفوس والقلوب بيده ، يصرفها على ما أراد من أحكامه.
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١))
قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) : هذه الهداية ظهور برهان بنوة الأنبياء بالبراهين الساطعة والدلالات الواضحة بالظاهر ، لكن لم يسبق لهم الهداية الأزلية ، وبتلك الهداية تقبل هذه الهداية ، فالسوابق تؤثر في العواقب ، والعواقب لا تؤثر في السوابق ، فكان جبلة القوم جبلة الضلالة ، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
قال الواسطي : لحاجة ما سبق فيهم من شؤم الجبلة.
قال ابن عطاء : ألبسوا لباس الهداية ظاهرا عواري ، فتحقق عليهم لباس الحقيقة ، فاستحبوا العمى على الهدى ، فردوا إلى الذي سبق لهم في الأزل.
(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ
__________________
(١) وقال القشيري أيضا : أي : جبالا مرتفعات ، وجعلنا بها الماء سقيا لكم ، يذكّرهم عظيم منّته بذلك عليهم. والإشارة فيه إلى عظيم منّته أنّه لم يخسف بكم الأرض ، وإن عملتم ما عملتم (٨ / ١٧).