قوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) : يوم القضاء ويوم القدر ويوم الأمر ، والقول ويوم الظاهر والباطن أي : تجحدون من أوجد سبع أرضين في يومين لكم ، وتكفرون نعمته ، وتقبلون إلى غيره.
(ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٩) أي : صاحب هذه النعم ، ثم زاد ذكر نعمته عليهم بقوله : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) : رواسي أوتاد الأرض من الأولياء ، مشرفون على قلوب الخلائق بسر من الله معهم ، ونور منه في قلوبهم ، (وَبارَكَ فِيها) بإظهار آياته فيها ، وخلق منافع الكل فيها ، (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (١) : أرزاق الخلائق بكل خلق منهم عنده رزق ، فرزق الروحانيين المشاهدة ، ورزق الربانيين المكاشفة ، ورزق الصديقين المعرفة ، ورزق العارفين التوحيد ، ورزق الأرواح الروح ، ورزق الأشباح الأكل والشرب ، وهذه الأقوات تظهر من الحق لهم في هذه الأرض التي خلقت معبدا للمطيعين ومرقدا للمقبلين وقبرا للعارفين ، (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) : يوم ظهر نور الفعل العام ، ويوم ظهر نور الفعل ، ويوم ظهر نور الصفة ، ويوم ظهر نور الذات ، الأول : نور الإرادة ، والثاني : نور المشيئة ، والثالث : نور القدرة ، والرابع : نور القضاء والقدر ، فنور الأفعال بركة على الأشباح ، ونور الفعل الخاص بركة على القلوب ، ونور الصفة بركة على العقول ، ونور الذات بركة على الأرواح ؛ فأقواتها على مقادير تلك البركات ، وهذان اليومان مع الأول أربعة ، ثم بيّن أنه تعالى قدّر هذه المقادير فيها على سنن مستوية بقوله : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) (١٠) ، لا يزيد الرزق بالسؤال ولا ينقص ، وفيه تأديب لمن لم يرض بقسمته ، وبيّن أن ما سبق منه في الأزل من السعادة والشقاوة لا يتغير بجهد الجاهدين وسؤال السائلين ، بل جفّ القلم بما أنت لاق ، ثم ذكر صنيعه المبارك في تسويته السماء وتزيينها بقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ، بسط نور قدمه عليها ، فسوّاها سبع سماوات ، كما بسط نور قدرته على الأرضين ، فلما أدخل في السماوات والأرضين روح فعله وكساها نور قدرته وقهرهما بجبروته دعاهما إلى خدمته ، (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) أي : ائتيا من العدم إلى ساحة القدم ، وائتيا بما قدرنا فيكما من أنوار فعلنا ، (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) طوعا : من حيث الحدوثية والعجز ، أو كرها من حيث أنكما تعلمان أنكما لا
__________________
(١) أي : حكم أن يوجد فيها لأهلها ما يحتاجون إليه من الأقوات المختلفة المناسبة لهم على مقدار معين ، تقتضيه الحكمة والمشيئة ، وما يصلح بمعايشهم من الثمار والأنهار والأشجار ، وجعل الأقوات مختلفة في الطعم والصورة والمقدار ، وقيل : خصابها التي قسمها في البلاد. البحر المديد (٥ / ٣٩١).