قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي : لتسكنوا في حضوركم بما تجدون من روح الملكوت ، وتستنشقون نفحات الجبروت ، وفي النهار تشاهدون أنوار صفاتي في آياتي.
قال بعضهم : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) إلى روح المناجاة ، (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) لتبصروا فيه بوادي القدرة.
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي : (قَراراً) لمراقبتكم ، وطلب مشاهدتي وخدمتي ، (وَالسَّماءَ) لنظركم إلى ديوان ملكوتي ، (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) بأن ألبستكم أنوار جلالي وجمالي وخلقي ، وإيجادكم بنفسي ، ونفخت من روحي فيكم الذي حسن الهياكل من حسن الهياكل من حسنه ، ومن عكس جماله ؛ فإنه مرآة نوري أتجلى منه للأشباح أرزاقه ذكره ، وصفاء كشوف أنواره للأرواح والعقول ، فقوت النفوس من أفعاله ، وقوت القلوب من صفاته ، وقوت الأرواح من ذاته ، وهو أحسن الأرزاق ، إذ قامت به حقائق المحبة ولطائف المعرفة ، ودقائق التوحيد.
ألا ترى إلى رمز الحق فيه بقوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) ثم نزّه نفسه عن الأشكال والأبعاض والحلول في الأماكن بقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) من بركته وجود العالمين ، ومن تربيته تكونت الخلائق أجمعون.
قال أبو سليمان : القرار لمن استقر على طلب الموافقة ، واجتنب التخطي إلى المخالفة.
قال بعضهم : جعل الأرض قرارا لأوليائه ، والسماء بناء لملائكته.
ثم زاد في وصف عزته وجلاله ، وحياته الأزلية ، وبقائه الأبدي بقوله : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) بيّن أن الحياة الحقيقية القدمية له لا لغيره ؛ إذ حييت بحياته الأرواح والأشباح ، وبه قامت الكائنات والحوادثات ، لا بذواتها تجلى من حياته للعدم ، فأوجد الكل حيّا بحياته.
ثم نفى عن الكل الألوهية ، ونفى الحياة الأزلية عن الكل في إفراد قدمه عن الكون بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.)
ثم أمر العباد بالعبودية الخالصة له ، والتضرع إليه بقوله : (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي : مخلصين عن النظر إلى الأكوان في مشاهدة الرحمن.
ثم حمد نفسه ألا يعرفه أحد سواه بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦٥) بألا