وقال جعفر : الخلق مع الله على مقامات شتى ، من تجاوز حده هلك ، فللأنبياء مقام المشاهدة ، وللرسل مقام العيان ، وللملائكة مقام الهيبة ، وللمؤمنين مقام الدنو والخدمة ، وللعصاة مقام التوبة ، وللكفار مقام الطرد والغفلة واللعنة.
قال الحسين : المريدون في المقامات يجولون من مقام ، والمرادون جازوا المقامات إلى رب المقامات.
وقال الجنيد : المقامات معلومة كما ذكره الله تعالى ، وأرباب الحقائق يأنفون من المعلومات والمرسومات ؛ لأنهم في قبضة الحق وأمره.
(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠))
قوله تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) (١٦٦) : لما كانوا من أهل المقامات المعلومات افتخروا بمقاماتهم في العبودية من الصلاة والتسبيح ، ولو كانوا من أهل الحقائق في المعرفة لفنوا عن ملاحظة طاعاتهم من استيلاء أنوار مشاهدة الحق والاستغراق في بحار منن الألوهية.
قال بعضهم : لذلك قطعت بهم مقاماتهم عن ملاحظة المنة حتى قالوا بالتفخيم : إنا لنحن وإنا لنحن ، فلما أظهروا وسرائرهم عارضوا إظهار أفعال الربوبية بالمعارضة حتى قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها.)
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) : سبقت لهم كلمة الحسنى باصطفائية الله في الأزل بالولاية والنبوة والرسالة بغير علة الاكتساب ونقائص الحدوثية ، أخبر عن محض مننه الأزلية عليهم ، ونفى عنهم الانقطاع عنه من جهة تغاير الامتحان أنهم مؤيدون بوصف الظفر بالبقية على مرادهم بكل ما أرادوا له ، أنزل عليهم جنود أنوار تجلي ظهور جلاله في قلوبهم ، تقدست سرائرهم عن كل غالب من الشهوات وعلل النفسيات.