(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦))
قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) : أخبر سبحانه أن هذا بلاء ظاهر أي : هذا بلاء في الظاهر ، ولكن لا يكون في الباطن بلاء ؛ لأنه في الحقيقة بلوغ منازل المشاهدات ، وشهود لأسرار حقائق المكاشفات ، وهذه من عظائم القربات ، وأصل البلاء ما يحجبك عن مشاهدة الحق لحظة ، ولم يقع هذا البلاء بين الله وبين قلوب المصطادين بشبكات محبة القدم قط ؛ فإن قلوبهم تحت غواشي أنوار سبحات وجهه فانية ، وكيف يقع عليها البلاء وهي تفنى في جمال الحق؟! إن كنت تريد بلاءهم فإنه تعالى بلاؤهم ، وذلك البلاء لا ينقطع عنهم أبدا ، ويمنع هذا البلاء جميع البلاء عنهم.
قال الجريري : البلاء على ثلاثة أوجه : على المخالفين نقم وعقوبات ، وعلى السابقين تمحيص وكفارات ، وعلى الأولياء والصديقين نوع من الإخبات.
قال الحسين : البلاء من الله ، والعافية من الله ، والأمر عزّ الله ، والنهي إذلاله.
(وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩))
قوله تعالى : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) : سمى الحق الذبح عظيما ، وفي ذلك إشارة لطيفة ، وهو أن العاشق الصادق أراد كل وقت أن يذبح نفسه لمعشوقه ، وإذا كان المعشوق صادقا في عشق عاشقه يمنعه عن ذبح نفسه عنده ، بل يذبح نفسه لعاشقه ، فلما قدس ساحة جلال الكبرياء عن علة الحدثان فداه له مكان نفسه الذبح ؛ إعلاما لكمال محبته له ، ولذلك سماه عظيما ؛ لأنه صدر من العظيم لعظيم محبته وعشقه لعشاقه وأخلائه وأحبائه.
قال بعضهم : عظيم محلها عند الله ؛ لأنه قتل عليها نبي ابن نبي ، وأحيا عليها نبي ابن نبي ، كذلك ذكر في التفسير أنها كانت الشاة التي تقبل من أحد ابني آدم فرتع في الجنة إلى زمان إبراهيم ، ففدى به ابنه إسماعيل.
(كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا