مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩))
قوله تعالى : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) : وصف نفسه بالإحاطة على كل ذرة من العرش إلى الثرى كيف يعزب عن علمه شيء من علمه وإرادته وقدرته ، بدأ ذلك الشيء وبه قيامه ووجوده.
قال الواسطي في هذه الآية : كيف يخفى عليه ما هو أنشأها ، أو كيف يستعظم شيئا هو أبداها.
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) : علما بجلاله وجماله ومحبته للقائه ، وشوقا إلى وصاله وحكمه بأمور العبودية ، وعلما بأنوار الربوبية ، وكشفا من أسراره له ، وإلباسه إياه وصف جلاله حتى يطيب قلبه بالعشق ، وروحه بالمحبة ، وعقله بالبصيرة وسره بالأنس ، وصدره باليقين ، وحلقه بالصوت الحسن ، فهذه بركة أوصاف الأزل التي ألبسها الله إياه بنعت التجلي والتدلي ، ألا ترى إلى قوله : (مِنَّا فَضْلاً) ، وذلك الفضل اتصافه بأنوار الذات والصفات ؛ لذلك أجابته الجبال بالتسبيح والتهليل بقوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) (١) ، وكذلك الطير بقوله : (وَالطَّيْرَ) ، إذا زمزم من طيب عشقه قام العالم معه.
__________________
(١) قوله : «أوّبي» العامة على فتح الهمزة ، وتشديد الواو ، أمرا من التّأويب وهو التّرجيع ، وقيل : التسبيح بلغة الحبشة ، وقال القتيبيّ : أصله من التأويل في السير وهو أن يسير النهار كله ، وينزل ليلا كأنه قال : أدأبي النّهار كلّه بالتسبيح معه ، وقال وهب : نوحي معه ، وقيل : سيري معه ، وقيل : سيري معه ، والتضعيف يحتمل أن يكون للتكثير ، واختار أبو حيان أن يكون للتعدي قال : لأنهم فسّروه برجع مع التسبيح ، ولا دليل فيه لأنه دليل معنى.
وقرأ ابن عباس والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق : أوبي بضم الهمزة أمرا من آب يؤوب أي ارجع معه بالتسبيح.