يَسْمَعُونَ (٢٦))
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) أي : لما شاهدوا جلالنا وجمالنا عيانا بنعت المعرفة والمحبة ، وصبروا فيما وجدوا من كشف الذات والصفات وما أفشوها عند الأغيار ، جعلناهم أئمة المعارف والكواشف ، يمدون طلابي إليّ بنوري.
قال أبو عثمان : لما صبروا على حقوق العبادة.
وقال أيضا : لما صبروا مع الله في جميع الأحوال.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩))
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) : سوق مياه معرفته من بحار تجلي جلاله إلى أرض القلوب الميتة الجرزة (١) ؛ فينبت به فيها نرجس الوصلة وياسمين المودة ورياحين المؤانسة وبنفسج الحكمة وزهرة الفطنة ، وورد المكاشفة وشقائق الحقيقة.
قال ابن عطاء : تصل بركات المواعظ إلى القلوب القاسية المعرضة عن الحق فتتعظ بتلك المواعظ.
قال الأستاذ : الإشارة منه تسقى حقائق وصلتهم بعد جفاف عودها وزوال المأنوس من معهودها ، فيعود عودها مورقا بعد ذبوله حاكيا بحاله حال حصوله.
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))
قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ) : فأعرض عنهم حين لا يكونون في عينيك من أهل المعرفة ، وأقبل علينا لتستأنس بمشاهدتنا عن مشاهدة الأغيار ، (وَانْتَظِرْ) كشوف جلالنا لك وتخليصك من شرهم ، (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (٣٠) : الحجاب والعتاب والهجران والعذاب.
قال بعضهم : لا تشغل سرك بهم ، وانتظر بركات الموارد عليك من أنواع الكرامات إنهم منتظرون منا المقت والبعد.
قال الأستاذ : أعرض عنهم باشتغالك بنا وإقبالك علينا وانقطاعك إلينا ، وانتظر زوائد
__________________
(١) يعني : اليابسة الملساء التي ليس فيها نبات ، يقال : أرض جرز أي : أرض جدب لا نبات فيها ، يقال جرزت الجراد إذا أكلت ، وتركت الأرض جرزا. بحر العلوم للسمرقندي (٣ / ٣٨٦).