طرأ عليها السكون ، بل غلب عليها شوق معادنها ، فحركاتها جذبا منه تعالى إليه ومحبّة وشوقا ، فلما هامت في ميادين الشوق من غلبة السكر والذوق ولا تعرف مسالك الربوبية بالحقيقة فيكشف الله لها سنا القدس فتصل به إلى حجال الأنس ، وتعرف هناك سبيل الصفات ، وتتطرق من مدارجها إلى معارج طرق معارف الذات ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) : جاهدوا بالله في الله لله ، فيعرفون الله بالله ، وهو معهم بإعطائه إياهم كشف جماله ؛ لأنهم يشاهدونه بنعت المراقبة ، وبذل وجوههم لحب المشاهدة (١) ، وذلك معنى قوله : (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩) ، وأصل المجاهدة فطام النفس عما دون الله من العرش إلى الثرى ، سبل المجاهدة من العبد إلى الله أو من الله إلى العبد.
فقال : ما من شيء إلا الله موجده قال الله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) أي : أوجدكم وأوجد أعمالكم بلا شريك ولا عون فالخلق فأتم بالخلق قائم بالخلق.
قال ابن عطاء : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) أي : في رضانا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) : الوصول إلى محل الرضوان.
قال الجنيد : لنهدينهم سبيل الإخلاص.
قال ابن عطاء : المجاهدة صدق الافتقار إلى الله بالانقطاع عن كل ما سواه.
قال النهرجوري : والذين جاهدوا في خدمتنا لنفتحنّ عليهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا والمشاهدة لنا ، ومن لم يكن أوائل أحواله المجاهدة كانت أيامه وأوقاته موصولة بالتواني والأماني ، ويكون حظه البعد من حيث يأمن القرب.
قال عبد الله بن منازل : المجاهدة علم أدب الخدمة لا المداومة عليها ، وأدب الخدمة أعزّ من الخدمة.
قال الشيخ أبو عبد الله بن خفيف : وكل محتمل لثقل العبودية في اختلاف ما وضع الله من عوض وفضل فهو داخل في أحوال المجاهدين.
قال الأستاذ : شغلوا ظواهرهم بالوظائف ، فأوصل إلى سرائرهم اللطائف.
__________________
(١) وفي التأويلات النجمية قوله : هذا مثل ضربه الله تعالى للخلق تعريفا لذاته وصفاته ، فلكل طائفة من عوام الخلق وخواصهم اختصاص بالمعرفة من فهم الخطاب على حسب مقاماتهم وحسن استعدادهم فما العوام فاختصاصهم بالمعرفة في رؤية شواهد الحق وآياته بإرآته إياهم في الآفاق ، وأما الخواص فاختصاصهم بالمعرفة في مشاهدة أنوار صفات الله تعالى وذاته تبارك وتعالى بإرآته في أنفسهم عند التجلي لهم بذاته وصفاته.