(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨))
قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) : إن الله سبحانه أزال عن ساحة الاصطفائية الأزلية وشرف النبوة والرسالة المصطفوية لنبيه صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والرسل علل التكلف والأسباب بما أخبرنا بهذه الآية ما علمناه من إنبائه تقديس الولاية ، والفضل العميم القديم السابق في حق العارفين والمحبين.
قال أبو سعيد الخراز في هذه الآية : أبيدت عنه الرسوم وأشكال الطبائع ؛ لما فيه من تدبير المحبة والاختصاص بخصائص القربة ، فلم يتدنس بمرسوم ، ولم يرجع إلى معلوم ؛ لذلك لما بدهه الحق أثّر فيه حيث وجده خاليا عما فيه الأغيار ، ألا ترى أنه لما قيل له : (اقْرَأْ) قال : ما أنا بقارئ ، فقيل له : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] فلما قيل له : (بِاسْمِ رَبِّكَ) سكن إليه وألفه ؛ لخلوه عن التدنس بالمرسومات.
(بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥))
قوله تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) : عرائس حقائق القرآن لا تنكشف إلا لأرواح المقربين من العارفين والعلماء الربانيين ؛ لأنها أماكن أسرار الصفات وأوعية لطائف كشوف الذات ، وما سواها من الوعاء أليق بظواهر الخطاب وصورتها مع أهل الشرائع.
قال أبو بكر بن طاهر : علوم الدراية جعل وعاءها صدور العلماء ربانيين ، وآيات ذلك ظاهرة عليهم ، وأنوارها مشرقة فيهم ، فلا ترى عالما مستعملا بعلمه راعيا لأحكام الحق عليه ،