حضور القلب بنعت الذكر والمراقبة بنعت الفكر ، فالذكر في الصلاة يطرد الغفلة التي هي الفحشاء ، والفكر يطرد الخواطر المذمومة وهي المنكر هذا في الصلاة ، وبعد الصلاة تنهى الصلاة الحقيقة التي تنهى صاحبها عن رؤية الأعمال والأعراض ، فإذا كان كذلك الصلاة يتكون قرة عيون العارفين ، بقوله عليهالسلام : «قرّة عيني في الصلاة» (١).
وقال ابن عطاء : بركات الصلاة تذهب بعقاب الفحشاء ونيات المنكر.
قال جعفر : الصلاة إذا كانت مقبولة فإنها تنهى عن مطالعات الأعمال وطلب الأعراض ، وقوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) للعارف بذكر خالص في السرّ غير مشوب بحركات الصورة ، وذلك نور صدر من أنوار كشوف صفات الحق حين أظهر جلاله وجماله لروحه ، وله ذكر مشوب بالأعمال الظاهرة مثل الصلاة وجميع الأعمال ، والذكر الأول أصفى وأجل ؛ لذلك قال : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) ؛ لأنه غير مكتسب مقدس عن العلل ، وأيضا ذكر الله الأزلي للعارف حين اصطفاه بمعرفته أكبر وأعظم من أن يدركه أحد بالكسب والأعمال ، وأن يلحقه نقض أو نقص من جهة الحدث ، وإذا قلت ذكر الله للعباد أكبر من ذكر العباد له قابلت الحادث بالقديم ، وكيف تقول الله أحسن من الخلق ، ولا يوازي قدمه إلا قدمه ولا يقابل ذكره إلا ذكره ، وأنّى يكون الأكوان والحدثان في سرادق الرحمن؟! وكيف يبقى الكون في سطوات المكون؟!
قال الواسطي : من شاهد نفسه في ذكره فقد شاهد نفسه في مقابلة من لا يقابله شيء ، والله يقول : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) من أن يكون أحد فيه بحق العبودية ، فكيف بحقوق الربوبية؟!
قال أيضا : ذكر الله لكم في الأزل أكبر وأحكم وأقدم وأتمّ.
وقال ابن عطاء : ذكر الله أكبر من ذكركم ؛ لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني والسؤال.
قال القاسم : ذكر الله أكبر من أن يحويه أفهامكم وعقولكم ، وحقيقة الذكر طرد الغفلة ، وإذا لم تكن الغفلة فما وجه الذكر ؛ لأنه أكبر من أن يلحقه ذكر أو يدنيه إشارة ؛ لأن الإشارة تطلب الأين ، والأين يلحقه الحين.
وقال الأستاذ : لذكر الله أكبر من أن يعرف قدره أحد وأكبر من أن يعارضه ذكر ، ويقال ذكر الله أكبر من أن يبقى معه وحشة.
__________________
(١) تقدم تخريجه.