النقوض والنقائض بهوسات المفلسين البطالين.
قال الله تعالى
: (أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ، قال القاسم : أن يسبقوا ما كتبنا عليهم من محتوم
القضاء وما قدر عليهم مما مضى الحكم فيهم ، (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٤) أي : باطل ما يعملون.
قال الواسطي :
إنما ذكر الله تنبيها للخلق ووصفا لهم بصفاتهم ونعوتهم قبل أن خلقهم ؛ كي يوقنوا
أنهم لا يسبقونه بالقول والفعل ، وأنهم مرتبطون بما سبق لهم من الصفات ، وفيهم قال
الله (أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ) ، ثم سلى قلوب المشتاقين إليه بقوله : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) : من كان مستغرقا في بحر أشواقه فإن أوان كشف جماله
وجلاله قريب من مشتاقيه الناجين من حبس النفس وحجابها ، فيرون الحق بلا حجاب وهو
سميع لأهل الصفوة أسرارهم ، عليم بالتهاب قلوبهم بنيران محبته وشوقه ، قيل فليسأل
ربه سؤال الملح المحتاج ، وليطلب منه طلب الراغب المشتاق.
وقال أبو عثمان
في قوله : (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ
لَآتٍ) : تعزية للمشتاقين أي : أعلم اشتياقكم إليّ ، وأنا
أجّلت لكم أجلا ، فعن قريب يكون وصولكم إلى من تشتاقون ، فتطيبوا نفسا ، وتنبهوا.
(وَمَنْ جاهَدَ
فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩))
قوله : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ
لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) : نبّه الخلق أن ربوبيته منزّهة عن عبودية الخلق ، وأن
صفات الحدث يرجع بنعوتها إلى الحدث ؛ لأنه مقدس عن النفع والضر ، وهو غنيّ عن وجود
الخلق وعدمه ، فبيّن قيمة المجاهدة أنهم إذا جاهدوا ولم يظفروا بمأمولهم يعلمون
أنهم يدورون حواليهم ، وأن الفضل من الله خاصّ لأهل الخصوص ممن عرفهم الله نفسه
بلاكدّ ولا عناء.
__________________