عن التكليف لا ينالها العباد إلّا عن طريق بعث إنسان فوقهم مماثل لهم في الخلقة ، وفوقهم في الخُلْق ، وإلّا فلا تتحقّق الغاية المتوخاة عن غير هذا الطريق.
٥ ـ لزوم تجهيز الأنبياء بالدلائل والمعاجز :
إنّ بداهة العقل تحكم بعدم جواز الخضوع لادّعاء مدّع إلّا بعد ثبوته بالدليل والبرهان ، فمقتضى الحكمة الإلهية تجهيز الأنبياء بالدلائل حتى تتحقّق الغاية المتوخاة من بعثهم ولولاها لأصبح بعثهم سدى وعملاً بلا غاية وهو قبيح.
٦ ـ لزوم النظر في برهان مدّعي النبوة :
إذا كان مقتضى الحكمة الإلهية دعوة الأنبياء بالبرهان ، فيلزم على العباد عقلاً النظر في برهان مدّعي النبوة لاستقلال العقل بذلك أوّلاً ودفعاً للضرر المحتمل ثانياً.
وأمّا من عزل العقل عن الحكم في ذلك المجال فليس له أن يثبت لزوم النظر إلّا عن طريق الشرع وهو بعد غير ثابت. فتأتي مشكلة الدور.
٧ ـ العلم بصدق دعوى المتحدّي بالمعجزة :
إذا اقترنت دعوة مدّعي النبوة بالمعاجز والبيّنات ، وتحدّى بدليل ، جميع الناس ـ فعند ذاك ـ يحكم العقل بصدقه ، لأنّه من القبيح إعطاء البيّنة المغرية إلى يد الكاذب. وإليه ينظر قوله سبحانه : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (الحاقة / ٤٤ ـ ٤٧) فالمجهّز بالمعاجز التي تؤثّر في نفوس الناس لا يكذب ، ولو كذب وتقوّل به ـ على فرض المحال ـ لقضى سبحانه على حياته فالآية واردة في حقّ أُولئك الأنبياء لا في حقّ كل مدّع للنبوة ولو لم يكن مجهزاً بالمعاجز والكرامات.