وعلى الجملة إذا أدرك العقل المجرّد عن الرواسب انّ الاحسان ، حسن ، وإنّ فعله كمال له فيطلبه ، وانّ الظلم قبيح وارتكابه نقص له ، فيزجر عنه أو يشمئز عنه.
وبعبارة أُخرى : إذا أدرك انّ الفعل كمال ، أو هو نقص له ، فكيف يتوقف عن الأمر بتحصيله مع أنّ الميل إلى الكمال ، أمر فطري جُبِّل عليه الإنسان ، ولأجل ذلك لا ينفك ذاك العلم عن الطلب والزجر ، ما دام زمام القضاء بيد القوّة العاقلة.
وثانياً : أنّ الكلام فيما إذا كان الحسن والقبح علّة تامة ، للمدح والذم ، أو الطلب والزجر ، لا مقتضياً متوقفاً على العلم بعدم الابتلاء بمصلحة أهم ، أو بمفسدة أشدّ من ترك مصلحة الحسن ، أو غير ذلك فانّ المخالفة في هذه الموارد ، لا تعدّ نقضاً للقاعدة حتى في مورد الصبي المراهق ، العارف بالحرام والحلال ، الصالح للتكليف ، لما مرّ من انّ حفظ التحديد المضروب على نوع تختلف أفراده إدراكاً وتعقّلاً ، قوّة وضعفاً ، يستلزم عدم الإيجاب عليه ، حفظاً للمصلحة العامة. وإيجابه عليه بالخصوص يوجب العسر في تشخيص الموضوع ، بخلاف ما إذا علّق التكليف على البلوغ المحدّد المشخص بعلائم ثلاثة خصوصاً السنّ.
وبالجملة كل مورد ، يحتمل عدم كون الحسن والقبح علّة تامة للطلب والزجر وكونه مبتلى بمزاحم ومانع ، أو ما أشبهه فلا يحكم بالملازمة أبداً ، وما ذكر من الموارد فهي من مصاديق ذلك.
بقي الكلام فيما أورد من النقض في باب الإطاعة والعصيان ، فالعقل يحكم بوجوب الأوّل وحرمة الثاني دون الشرع ولو حكم فإنّما يحكم إرشادياً ، فتخيّل من ذلك انفكاك حكم العقل عن الشرع.
ولكن القول بالملازمة فيما إذا أمكن الحكم المولوي للشارع كما في موارد العدل والظلم والصدق والكذب ، وأمّا الإطاعة والعصيان ، فلأنّه لا يجوز أن يتعلّق بهما حكم مولوي من الشارع لاستلزامه أن لا ينتهي حكم الشارع إلى حدّ ، بيانه :
انّه إذا كشف العقل ، تعلّق أمر مولوي من الشارع بالطاعة والنهي عن