المعبر عنها بالمشهورات.
وعندئذ نقول : إذا لم يكن حكم العقل بالتحسين والتقبيح من الأحكام العقلية اليقينية الداخلة في إحدى الأُصول الستة (الأوّليات في مجال العقل العملي) ، وكانت من المشهورات التي لا مدرك له إلّا الشهرة التي لو خلِّي الإنسان وعقله المجرّد ووهمه وحسّه ، ولم يؤدَّب بقبول قضاياها لم يقض لها ، لزم أن يكون التحسين والتقبيح عقلائيّاً (لا عقلياً) تطابق عليه العقلاء من دون استناد إلى برهان ودليل ، وهو خلاف ما يدّعيه القائلون بهما.
وثانياً : أنّ لازم ذلك عدم صحّة الاحتجاج بهما في المسائل الكلامية والأُصولية مطلقاً ، لأنّ الاحتجاج فرع كون القضية أمراً برهانياً ، غير محدّد بحدّ ، ولا محصور بإطار ، نافذاً في حقّ العباد وخالقهم ، وإذا لم يكن كذلك وكان أمراً مقرراً بين العقلاء فكيف يمكن الاحتجاج به على الله سبحانه ، لأنّ الاحتجاج فرع كونه مقبولاً لدى المحتج عليه وهو فرع كونه برهانياً عاماً ، لا يعرف لنفوذه حدّاً وهذا يشبه الاحتجاج بمسلمات قوم ، على قوم آخر وبقوانين بلد ، على أهالي بلد آخر ، لا يعترفون بقوانينه.
وبعبارة ثانية : أنّ صحّة الاحتجاج فرع وحدة المنطق بين الطرفين ، وهو فرع كونه أمراً قطعيّاً إمّا برهانياً ، أو ضرورياً عند الطرفين وإذا لم يكن كذلك بل اتفق عليه أحد الطرفين بلا برهان ، فلا يصلح به الاحتجاج على من لم يتفق عليه الآخر.
نرى أنّ الأُصولي يحتج بقبح العقاب بلا بيان على الله سبحانه ، ويقول لو كان العمل الفلاني حراماً عند الشارع كان عليه البيان ، لأنّ العقاب على ارتكاب الحرام من دون بيان ظلم وهو قبيح على الله سبحانه ، والاحتجاج إنّما يصحّ إذا كان قبح عقاب الظلم أمراً معترفاً عليه من جانب الشارع ، وإذا لم يكن كذلك وإنّما اعترف به العقلاء وأخذوها أمراً مسلّماً بلا بينة ولا برهان ، فلا يكون نافذاً في حقّه سبحانه الذي لم يعترف به ، بخلاف ما إذا كان أمراً برهانياً أو ضرورياً يقينياً ،