وإمّا أن يكون منشؤه عبارة عن المصلحة في الترك ، فقول المولى ، «لا تكذب» ينشأ إمّا عن مفسدة في الكذب ، أو عن مصلحة في تركه ، وفي كلتا الحالتين ، الغالب في المفاسد المتعلقة بالفعل ، والمصالح المتعلقة بالترك ، هو الانحلال والتعدد ، بحيث يكون كل فعل ، أو كل ترك ، بحسب عالم الملاك ، موضوعا للمفسدة ، أو موضوعا للمصلحة.
وهذه الغلبة غير موجودة في جانب الأوامر ، فإنّ الأمر بشيء ، ينشأ إما من مصلحة في الفعل ، أو من مفسدة في الترك ، وليس الغالب في المصلحة المتعلقة بالفعل ، أو المفسدة المتعلقة بالترك ، هو التعدد.
وحيث أنّ هذه الغلبة موجودة في طرف النهي ، دونها في الأمر ، فتصبح هذه الغلبة قرينة عرفية ارتكازية في طرف النهي ، على أنّ النهي متعدّد بلحاظ متعلقه أيضا ، باعتبار أنّ هذه الغلبة ظاهرة في أن النهي نشأ من ملاك انحلالي وتعددي ، وهذا بعكس الأمر ، فإن هذه الغلبة غير موجودة في جانبه ، فيبقى على مقتضى القاعدة ، ومقتضاها هو عدم التعدد في جانب المتعلق في الأوامر.
الأمر الرابع :
كل ما أسّسناه في باب الأوامر والنواهي من التعدد في طرف الموضوع ، وعدمه في طرف المتعلق ، أيضا ، يسري في باب الإخبار ، ولا يختص بباب الإنشاء ، فكما أن للإنشاء متعلّقا وموضوعا في «أكرم العالم» ، كذلك للجملة الخبرية «العالم نافع» ، متعلّق ، وهو النفع ، وموضوع ، وهو «العالم» ، وبالتحليل تكون نسبة «العالم» إلى الإخبار ، هي كنسبة «العالم» إلى الإنشاء ، فكما أن «العالم» في الإنشاء في «أكرم العالم» أخذ مفروغا عن وجوده ، كذلك «العالم» في الإخبار في «العالم نافع» أخذ مفروغا عن وجوده في المرتبة السابقة على الإخبار ، بمعنى أنّ الذي يقول «العالم نافع» لا يريد الإخبار عن وجود «العالم» بل إذا وجد «العالم» وفرغ من وجوده فهو نافع ، فيكون مراده