الإرادة ، فهذا العمل الغير الاختياري ، الناشئ من تلك الإرادة ، يمتاز عن تلك الأعمال الغير اختيارية ، في أنه يمكن التدخل التشريعي من قبل المولى ، سواء كان الباري تعالى أو الجهة العقلائية ، في تغيير مسار إرادة هذا الشخص ، والتحكم في رغباته ، فلا يكون العقاب والحساب في حقه لغوا صرفا ، كالثواب والعقاب في حق المرتعش.
المسلك الثاني
وهذا المسلك لحل الشبهة المذكورة ، يعاكس المسلك الأول ، فهو يسلّم بالمقدمة الأولى ، وهي أن الاختيار ينافي الضرورة المساوقة للاضطرار ، وينكر المقدمة الثانية ، ويقول أن الضرورة غير ثابتة في أفعال الإنسان ، وذلك تشكيكا من أصحاب هذا المسلك ، في أصل الضرورة ، وأصل لزوم وجود المعلول بوجود العلة ، بمعنى ، أن الشبهة كانت قد نشأت من مبادئ العليّة القائلة ، بأن كل حادثة لا بدّ لها من سبب ، وأن الحادث يكون واجبا وضروريا عند وجود سببه.
وأمّا مع نكران قانون العليّة والسببيّة بهذا المعنى ، وأن الحادث مع كونه ليس ضروريا ، مع هذا ، يمكن أن يوجد مع صفة الإمكان ، بدون حاجة لأن يخرج من عالم الإمكان إلى الوجوب.
هذا المسلك مال إليه بعض المتأخرين ، من الفلاسفة من غير المسلمين (١) ، فخيّل لهم ، أنهم إذا أنكروا قانون العليّة وضرورة وجود المعلول عند وجود العلة ، استطاعوا بذلك أن يدفعوا شبهة الجبر والّا اختيار ، فلا يبقى حينئذ ضرورة لصدور الفعل من الإنسان ، بل يكون الفعل باقيا على الإمكان ، حتى عند صدوره ، ومع عدم الضرورة ، يكون الاختيار ثابتا.
وأصل الشبهة ، وهذا المسلك ، كلاهما ، وقعا في خطأ ، فإن أصل
__________________
(١) سعيد عبد العزيز حباتر ، مشكلة الحرية في الفلسفة الوجودية ص ٤٤.