الممكن أن توجد ومن الممكن أن لا توجد ، وصدفة وجدت في المقام ، بلا اختيار للطبيعة في إيجادها.
وبهذا يتبين أن الاختيار ليس مساوقا لتعطيل مبادئ العليّة والتسليم بالإمكان المحض ، فالإمكان المحض ، وإنكار الضرورة الذي هو معنى تعطيل مبادئ العليّة ، لا يساوق انتزاع عنوان الاختيار في المقام ، فهذا المسلك لا يفي بتحقيق عنوان الاختيار.
المسلك الثالث في حل الشبهة
وحاصل هذا المسلك الثالث ، الذي قد تدفع به الشبهة المذكورة ، هو أن الكائنات التي تعيش في الطبيعة هي مختلفة في تحديد مجال سيرها وتوضيح ذلك : إن كلّ كائن يوجد في عالم الطبيعة ، فهو لا محالة محدّد تكوينا بحدود مفروضة عليه قسرا وجبرا من الطبيعة ، وقد يتفق أن الطبيعة ، فرضت عليه خطا محدودا لا يتعدّاه ، ولم تعط له فرصة بديلة ، فمثلا عند ما نقذف بالحجر إلى أعلى ، فالطبيعة تحدّد سيره ولا تسمح له بالنزول إلى أسفل ، ولا بالذهاب شرقا ولا غربا ، وإنّما تحدّد له سيرا معينا إلى الأعلى إلى أن تنتهي قوة الدفع ، فتحدد له مرة أخرى سيره إلى أسفل ، بحيث يمكن التنبؤ مسبّقا بالدقة ، بحركة هذا الحجر ، وذلك لأن الطبيعة لم تعطه أي فرصة ، إلّا هذا الخط العملي المرسوم ، وقد يتفق أن الطبيعة أعطت هذا الكائن فرصة لتصرفات عديدة ، على سبيل البدل ، بحيث حينما نلحظه ، لا يمكن بالدقة معرفة كيفية تصرفه ، فلو فرض أن ألقي الحجر على الحيوان ، فهو سوف يهرب ، ولكن لا يمكن التنبؤ بوجهة سيره ، لأن الطبيعة لم تقيّد خط سيره بالقدر الذي قيّدت فيه خط سير الحجر.
وأمّا بالنسبة إلى الإنسان ، فهو أوسع فرصة من الحيوان لأمرين :
أولا : باعتبار أن غرائز الإنسان ، أكثر من غرائز الحيوان ، فغرائز الحيوان محدودة ، وغرائز الإنسان وشهواته أكثر ، ففيها ميول روحية وميول جسدية ،