من السواد ليست مغايرة للمرتبة الشديدة منه لا حقيقة ولا عرفا ، فلا مانع من استصحاب طبيعي السواد المشترك بين المرتبة المتيقّنة الزوال والمرتبة المشكوكة البقاء ، ونظيره في العرف كثير أيضا ، فإذا علمنا بأنّ زيدا كان متحرّكا بحركة سريعة ، وعلمنا بانتفائها بهذه المرتبة واحتملنا تبدّلها بحركة خفيفة ، نستصحب بقاء طبيعي الحركة (١).
هذا ، وفي تسمية هذا الاستصحاب باستصحاب الكلّي ، وعدّه من القسم الثالث مسامحة واضحة ، فإنّ هذا الاستصحاب استصحاب لشخص السواد المتيقّن سابقا ، ضرورة أنّ المراتب المختلفة للسواد ليست أفرادا له حتى يكون من استصحاب الكلّي ، بل تكون من حالاته وعوارضه ، فيكون من قبيل استصحاب حياة زيد مع العلم بانتفاء صحّته ، ولو جعلناها من قبيل الأفراد ، يلزم أن تكون هناك ماهيّات غير متناهية ، محصورة بين حاصرين : المبدأ والمنتهى ، فإنّ مراتبه المتنازلة والمتصاعدة غير متناهية.
وهذا من أحد أدلّة بطلان أصالة الماهيّة ، فإنّ لازم تأصّلها أيضا ذلك ، لأنّ المتحرّك بالحركة الكمّيّة كالإنسان من مبدئه إلى منتهاه أو الكيفيّة كالسواد والبياض على هذا القول ، له ماهيّات غير متناهية محصورة بين حاصرين ، إذ أيّ مرتبة من الكمّ أو الكيف يفرض فله مرتبة أخرى دونها أو فوقها ، فلا مناص عن كون هذا الاستصحاب استصحاب للفرد والشخص لا استصحابا للكلّي ذي الأفراد والأشخاص.
ثمّ إنّ للفاضل التوني قدسسره كلاما نقله الشيخ قدسسره لمناسبة في المقام في مسألة الشكّ في تذكية اللحم المطروح أو الجلد المجلوب من بلد الكفر ، وهو
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٥ ، كفاية الأصول : ٤٦٢ ـ ٤٦٣.