فنقول : إنّ مراده قدسسره من المقتضي ليس هو المقتضي التكويني ، لما ذكرنا في بحث الواجب التعليقي والواجب المشروط من أنّ مقتضي الحكم ، وعلّة الجعل ليس إلّا إرادة الشارع واختياره ، وأمّا الأمور التكوينيّة الخارجيّة ـ كالدلوك ـ فهي أجنبيّة عن التأثير في جعل الشارع.
ولا المقتضي التشريعي ، بمعنى موضوع الحكم ، إذ اعتبار إحراز المقتضي بهذا المعنى ليس إلّا اعتبار اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة ، الّذي التزم به في آخر الاستصحاب (١) ، ولا ريب في اعتباره ، إذ الحكم بثبوت حكم المتيقّن للمشكوك مع عدم إحراز الموضوع ليس من الاستصحاب في شيء ، بل إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر ، الّذي هو داخل في القياس.
ولا المقتضي الملاكي بمعنى أنّه لا بدّ في جريان الاستصحاب من إحراز ملاك الحكم في زمان الشكّ ، ضرورة أنّ ذلك يحتاج إلى علم الغيب ، إذ لا طريق لنا إلى استكشاف ملاكات الأحكام غير نفس الأحكام.
هذا ، مضافا إلى أنّا إن أحرزنا ملاك الحكم ، لا يبقى لنا الشكّ في الحكم حتى نحتاج إلى الاستصحاب ، مع أنّ الشيخ يجري الاستصحاب في الأمور العدميّة (٢) ، والأمر العدمي ليس له ملاك حتى يلزم إحرازه.
وأنّ (٣) البحث عن حجّيّة الاستصحاب لا يبتنى على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ، بل يجري حتى على قول الأشعري بعدم تبعيّتها لها.
فاتّضح أنّ شيئا من المعاني الثلاثة للمقتضي لا يراد منه ، بل مراده منه
__________________
(١) فرائد الأصول : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.
(٢) فرائد الأصول : ٣٦١.
(٣) عطف على قوله : أنّ ذلك ...