وأمّا الثاني : فلأنّ سعة دائرة العموم وضيقها تابعة لما يراد من أداة العموم ، فلفظة «كلّ» عامّة لكلّ ما يراد من مدخولها ، وعموم «الشيء» ـ الّذي هو المدخول للفظة «كلّ» في المقام ـ لأجزاء الصلاة وغيرها إنّما هو بالإطلاق ومقدّمات الحكمة ، وهو ممنوع في المقام ، لوجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، وهو قوله عليهالسلام قبل ذكر هذه الكبرى : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض» (١).
هذا ، ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّه مبتن على مبنيين اختارهما صاحب الكفاية (٢) :
أحدهما : مانعيّة وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب عن الأخذ بالإطلاق.
وثانيهما : عدم شمول لفظة «كلّ» وأمثالها إلّا لما يراد من مدخولها.
وقد بيّنّا في مباحث الألفاظ فساد كلا المبنيين وأنّ لازم الأوّل عدم جواز الأخذ بشيء من المطلقات في الفقه إلّا ما شذّ وندر ، إذ الغالب هو وجود قدر متيقّن في البين لا أقلّ من مورد الرواية ، مثلا : إذا سئل الإمام عليهالسلام ـ كما سئل ـ : عن الصلاة في الفنك والسنجاب والسمّور ، فأجاب : «بأنّ كلّ شيء ممّا حرّم الله أكله فالصلاة في شعره ووبره وألبانه وروثه وكلّ شيء منه فاسدة» (٣) لا يمكن التعدّي عن هذه الثلاثة إلى غيرها من أنواع ما لا يؤكل لحمه ، لتيقّنها
__________________
(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ـ ١٣٥٩ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الباب ١٣ من أبواب الركوع ، الحديث ٤.
(٢) انظر : كفاية الأصول : ٢٥٤ و ٢٨٧.
(٣) الكافي ٣ : ٣٩٧ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ ـ ٨١٨ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ١.