عن ذات العلّة ، والمعلوليّة المنتزعة عن ذات المعلول ، ومثل العناوين الاشتقاقيّة بأجمعها ، فإنّ العالم ـ مثلا ـ ليس بحذائه في الخارج شيء ، بل هذا العنوان ينتزع عن وجود جوهر هو الإنسان ، وعرض قائم به ، وهو العلم ، كذلك الوجودات الاعتباريّة على قسمين : متأصّلة ، كالوجوب والحرمة والرخصة ، والملكيّة والرقّيّة وغير ذلك من الأحكام التكليفيّة والوضعيّة ، وانتزاعيّة ، كالسببيّة والمسبّبيّة والشرطيّة والمشروطيّة وغيرها ، فإنّ الوجودات في القسم الأوّل وإن كانت اعتباريّة إلّا أنّ لها تأصّلا في عالم الاعتبار ، بخلاف الوجودات في القسم الثاني ، فإنّها ليس لها تقرّر وتأصّل ، لا في العين ولا في عالم الاعتبار ، بل هي أمور ليس بحذائها شيء ، تنتزع عمّا أخذ في أصل التكليف أو متعلّق التكليف من القيود ، مثلا : عند اعتبار المولى وجوب الصلاة عند دلوك الشمس ، وقوله : «إذا زالت الشمس فصلّ» حيث أخذ الدلوك مفروض الوجود ، وجعله قيدا للوجوب ، ينتزع عنوان السببيّة ، ويقال : إنّ الدلوك سبب لوجوب الصلاة ، وهكذا إذا اعتبر الفراق عند الطلاق ، تنتزع السببيّة عن الطلاق ، وعند أمره بعتق الرقبة المؤمنة تنتزع شرطيّة الإيمان للمأمور به ، وعند اعتباره ثبوت الصلاة المقيّدة بعدم وقوعها حال الحيض ، وقوله : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» (١) تنتزع المانعيّة للحيض.
الثالث : أنّ نسبة المعتبر إلى الاعتبار كنسبة الماهيّة إلى الوجود.
إذا عرفت هذه الأمور ، نقول : إنّ السببيّة والشرطيّة والمانعيّة وغير ذلك ممّا يبحث عنه في المقام بأجمعها أمور انتزاعيّة لا تقرّر ولا تأصّل لها في وعاء من الأوعية ، منتزعة عمّا أخذ في المعتبر الّذي هو الحكم وضعيّا كان أو تكليفيّا
__________________
(١) الكافي ٣ : ٨٨ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٤ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٧ ، الباب ٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.