وفي الاية دلالة على فساد مذهب المجبرة ، لأنه تعالى قال «فمن نفسك» فأضاف المعصية الى العبد ، ونفاها عن نفسه تعالى ، ولو كانت من خلقه لكانت منه على أوكد الوجوه ، ولا ينافي ذلك قوله في الاية الاولى (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) لأنا بينا وجه التأويل فيه.
فصل : قوله (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) الاية : ٨٤.
هذا خطاب للنبي صلىاللهعليهوآله خاصة ، أمره أن يقاتل في سبيل الله وحده بنفسه.
وقوله (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) ومعناه لا تكلف الا فعل نفسك ، لأنه لا ضرر عليك في فعل غيرك ، فلا تهتم بتخلف المنافقين عن الجهاد ، فعليهم ضرر ذلك ، وليس المراد لا تأمر أحدا بالجهاد ، وانما المراد ما قلناه ، ألا ترى أنه قال (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) يعني حثهم على الجهاد.
وفي ذلك دلالة على أنه لا يجوز أن يؤاخذ الله الأطفال بكفر آبائهم ، ويؤيده قوله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١) لان مفهوم هذا الكلام أنه لا يجوز أن يؤخذ بذنب غيرك.
فصل : قوله (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) الاية.
معناه : أتريدون أيها المؤمنون أن تهدوا الى الإسلام من أضله الله ، ويحتمل معنيين :
أحدهما : أن من وجده الله ضالا وسماه بأنه ضال وحكم به من حيث ضل بسوء اختياره.
والثاني : أضله الله بمعنى خذلهم ولم يوفقهم (٢) كما وفق المؤمنين ، لأنهم
__________________
(١). سورة الانعام : ١٦٤.
(٢). في التبيان : خذله ولم يوفقه.