لأنه لا يجوز أن يعلم الله أحدا من المكلفين الذين ليسوا بمعصومين أنه يبقيهم الى وقت معين ، لان في ذلك إغراء له بالقبيح ، من حيث أنه يعلم أنه باق الى ذلك الوقت فيرتكب القبيح ، فإذا قارب الوقت جدد التوبة ، فيسقط عنه العقاب.
وهل يجوز اجابة دعاء الكافر أم لا؟ فيه خلاف ، فذهب أبو علي الى أنه لا يجوز لما في ذلك من التعظيم والتبجيل لمجاب الدعوة في مجرى العادة ، ألا ترى أنه إذا قيل فلان مجاب الدعوة دل ذلك على أنه من صالحي المؤمنين. وأجاز ذلك أبو بكر بن الاخشاذ على وجه الاستصلاح.
فصل : قوله (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الاية : ١٦.
قيل : في معنى هذه الباء أقوال : أحدها أنها بمعنى القسم ، كقولك بالله لأفعلن.
وقيل في معنى «أغويتني» ثلاثة أقوال :
أحدها : قال أبو علي الجبائي والبلخي : معناه بما خيبتني من جنتك ، كما قال الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما |
أي : من يحب. وقال قوم : يجوز أن يكون إبليس اعتقد الجبر وعنى فبما أضللتني ، وليس يبعد ذلك مع كفره. وقال آخرون : يجوز أن يكون أراد انك امتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده فقال أغويتني ، كما قال (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (١).
الثاني : قال ابن عباس وابن زيد : معناه حكمت بغوايتي ، كقولك أضللتني أي حكمت بضلالتي.
وإغواء الله تعالى إبليس لم يكن سببا لضلالة ، لأنه تعالى علم أنه لو لم يغوه لوقع منه مثل الضلال الذي وقع أو أعظم. وقعوده على الصراط معناه انه يقعد
__________________
(١). سورة التوبة : ١٢٦.