حارب الحكام كل ما
يمت إلى هذه الثورات بصلة فخاف علماء الزيدية على تراث زيد وغيره من العلماء من
الضياع فأخفوه معهم ثم ما لبثت أن نجحت ثورات الزيدية في طبرستان وبعدها باليمن
فنقلوا تراثهم العلمي معهم واستقر في اليمن وحتى أيامنا هذه عدا بعض المحاولات
المتأخرة التي أخرجت قسما منه.
ونتيجة لما تقدم
اقتصرت استفادة العلماء من كتب زيد ، ومنها هذا الكتاب على فرقة الزيدية تقريبا
والذين أفادوا منه من غيرهم ـ وبخاصة في السنوات التي سبقت نقل تراث الزيدية إلى
اليمن ـ لم يشيروا إلى هذا الكتاب. ولعل من أقوى الأسباب في ذلك خوفهم من مساءلة
الولاة والحكّام لهم.
ومن هنا نعرف
العلة في عدم انتشار أثر هذا الكتاب. والكتب القليلة جدا التي وصلت إلينا من كتب
الزيدية التي تمت إلى اللغة والتفسير بصلة وثيقة. وجدت فيها كتابا واحدا قد أشار
إليه بوضوح وصراحة واقتبس منه نصا. وهذا الكتاب هو الأمالي لابن الشجري وقد أشرت
إلى ذلك عند الحديث عن صحة نسبة الكتاب ولا حاجة لا عادته هنا.
لكني في أثناء
دراستي لكتب الغريب في القرون الثلاثة الأولى لمعرفة مدى تأثير بعضها ببعض وجدت
أنها متأثرة بشكل ما في كتاب المجاز لأبي عبيدة. وخطر لي خاطر أن افتش عمن نأثر به
أبو عبيدة في كتابه فوجدته لم يشر إلى أسماء الكتب التي سبقته لكني في الوقت نفسه
وجدت تشابها كبيرا بينه وبين كتابنا هذا فعقدت بينهما مقارنات طويلة وخرجت بنتيجة
مؤداها إما أن يكونا قد تأثرا بمصدر ثالث أو أن يكون أبو عبيدة قد اطلع على كتاب
زيد هذا أو أخذ منه سواء كان بشكل مباشر أم غير مباشر بواسطة كتب الغريب الأخرى
التي نقلت عن زيد ونقل عنها أبو عبيدة.
وبعد دراسة متمعنة
ترجح عدي أن هذا الكتاب أثّر كثيرا في كتاب أبي عبيدة مباشرة أو بالوساطة للأسباب
التالية :
١ ـ إن كثيرا من
معاني المفردات الغريبة في القرآن وردت نصا في كلا الكتابين فمن ذلك قول زيد في
تفسير سورة الفاتحة عند قوله تعالى ((الدِّينِ)) معناه الحساب والجزاء (تفسير الغريب ٧٧) ومثل ذلك ورد في
كتاب المجاز (١ / ٣٢).
ومن ذلك في تفسير
قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ) (البقرة ٢ / ١٠)
قال زيد : أي شك ونفاق (٧٩) ومثلة قال أبو عبيدة (١ / ٣٢).
ومن ذلك في
تفسيرهما لكلمة ((الْفُرْقانَ)) (البقرة ٢ / ٥٣) قالا : الفرقان ما فرق بين الحق والباطل (أنظر
تفسير الغريب ٨٢ والمجاز ١ / ٤٠).
ومن ذلك قولهما في
تفسير : (باؤُ بِغَضَبٍ) (البقرة ٢ / ٦١)
أي احتملوه (تفسير الغريب ٨٣ والمجاز ٢ / ٤٢).