وقد أجمعت المصادر على أن والدته أمة. وقال ابن حبيب إنها من السّند (١). ونقلت مصادر كثيرة أن المختار بن عبيد الثقفي قد أهداها إلى والده فأنجبت له في العام القابل زيدا (٢). لكني لا أرجح صواب هذه الرواية لأن المختار كما هو معروف قد قتل سنة ٦٧ ه (٣) ومعنى هذا أن عمر زيد كان قد جاوز الخمسين سنة عند استشهاده وهذا ما يتعارض مع كل الروايات التي ذكرت تاريخ ولادته ووفاته ومقدار عمره ، وكذا مع مسيرة حياته والأحداث التي وقعت فيها كما سيأتي إن شاء الله.
وكانت ولادته بالمدينة المنورة ونشأ بين ربوعها ، وفي آل بيت النبي (ص) ، وفي كنف والده الإمام زين العابدين عليهالسلام. ثم بعد ذلك برعاية أخيه الأكبر الإمام محمد الباقر عليهالسلام. ومن الطبيعي أن يؤثر المحيط الذي نشأ فيه في بناء شخصيته كثيرا ، مما جعله يتربى تربية صالحة ، ويتصف بمؤهلات متميزة نادرة المثال.
والروايات القليلة التي وصلت إلينا عن طفولته تشير إلى فرح والده كثيرا بولادته واهتمامه الشديد بتربيته. فقد نقل زيد طرفا من هذه الرعاية بقوله : «كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد اللقمة الحارة شفقة عليّ» (٤).
ولعل ما يجعل أهله أكثر اهتماما به ما ورد في حقه من روايات عن النبي (ص) بأنه مصلوب آل بيته. وأن له شأنا عظيما في يوم القيامة ، ويدخل الجنة (٥).
وقد انعكست هذه الرعاية وحسن التربية الدينية والعلمية على مسيرة حياته. وكذا أثرت الظروف المحيطة به في المدينة وباقي بلدان الدولة الإسلامية آنذاك فيها زهدا ، وورعا ، وعلما ، وثقافة ، واطلاعا ، وتضلعا بالكثير من علوم الإسلام ، وصلابة في الحق ، وجهادا في سبيله. وسوف تظهر هذه الصفات جليّة عند الحديث عن جوانب حياته المختلفة.
وقد وصفت لنا المصادر زيدا بأنه : «أبيض اللون ، أعين ، مقرون الحاجبين ، تام الخلق ، طويل المقامة ، كث اللحية ، عريض الصدر ، أقنى الأنف ، أسود الرأس واللحية ، إلّا أن الشيب خالطه في عارضه» (٦).
__________________
(١) انظر المنمق ٥١٠.
(٢) انظر أمالي الصدوق ٢٩٩ وتفسير فرات الكوفي ٧١ والحدائق الوردية ١ / ٣٠٢ وأعيان الشيعة ٣٣ / ٣٧.
(٣) انظر تاريخ الطبري ٦ / ١٠٧ والبداية والنهاية ٨ / ٢٨٣.
(٤) أعيان الشيعة ٣٣ / ٦٢.
(٥) انظر أمالي الصدوق ٣٦ و ٢٩٨ وفوات الوفيات ٢ / ٣٦ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ١٥ والحدائق الوردية ١ / ٣٠٣ ـ ٣٠٥.
(٦) الحدائق الوردية ١ / ٣٠٣.