القابلة للتأويل.
ونحن هنا لن نسهب بالبحث في هذه المسألة لأنّ ذلك يتطلب كتابا مفردا فيها ، وإنما نستعرض ما قاله بعض أعلام الإمامية ففيه غنّى وكفاية.
قال الشيخ المفيد (قدسسره) (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه) :
[إنّ الله تعالى لمّا جعل نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جامعا لخصال الكمال كلّها وخلال المناقب بأسرها لم تنقصه منزلة بتمامها ليصح له الكمال ، ويجتمع فيه الفضل والكتابة ، فضيلة من منحها فضّل ، ومن حرمها نقّص.
ومن الدليل على ذلك أنّ الله تعالى جعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حاكما بين الخلق في جميع ما اختلفوا فيه ، فلا بدّ أن يعلّمه الحكم في ذلك ، وقد ثبت أن أمور الخلق قد يتعلّق أكثرها بالكتابة فتثبت بها الحقوق ، وتبرأ بها الذمم وتقوم بها البيّنات وتحفظ فيها الديون ، وتحاط بها الأنساب ، وأنها فضل تشرّف المتحلّى بها على العطال منها ، وإذا صحّ أن الله جلّ اسمه قد جعل نبيّه بحيث وصفناه من الحكم والفضل ثبت أنه كان عالما بالكتابة محسنا لها.
وشيء آخر وهو أنّ النبي لو كان لا يحسن الكتابة ولا يعرفها لكان محتاجا في فهم ما تضمنته الكتب من العقود وغير ذلك إلى بعض رعيّته ، ولو جاز أن يحوجه الله في بعض ما كلّفه الحكم فيه إلى بعض رعيّته لجاز أن يحوجه في جميع ما كلّفه الحكم فيه إلى سواه وذلك مناف لصفاته ومضادّ لحكمة باعثه ، فثبت أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحسن الكتابة.
وشيء آخر وهو قول الله سبحانه : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة / ٣) ، ومحال أن يعلّمهم الكتاب وهو لا يحسنه كما يستحيل أن يعلّمهم الحكمة وهو لا يعرفها ، ولا معنى لقول من قال : «إنّ الكتاب هو القرآن خاصّة» إذ اللفظ عامّ والعموم لا ينصرف عنه إلّا بدليل ، لا سيّما على قول المعتزلة وأكثر أصحاب الحديث](١).
وقال السيد المرتضى (قدسسره) :
في قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً
__________________
(١) أوائل المقالات : ص ١٣٥.